شهداء
ومجاهدون
حمد
البربور (شهيد معركة تل الخروف)

كان حمد البربور يمين (سلطان باشا
الأطرش) في إثناء الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين، وثورة
عام1922م، والثورة السورية الكبرى، يتعجب (كاربيه) من عصامية البربور،
فبعد أن أصبح حاكما للجبل بالوكالة زاره لاحتوائه لأن حمد البربور
شخصية متميزة استطاعت أن تبرز في منطقة زعامة آل الأطرش، وتحتل مكانة
خاصة عندهم في آن معاً، ولاسيما عند سلطان الأطرش.
ويقول الدكتور(عبد الرحمن الشهبندر) في حديثه عن معركة (المزرعة):«وممن
قتل في هذه الملحمة من الزعماء الكبار المرحوم (حمد بيك البربور) من
قرية (أم الرمان) في المقرن القبلي في تل الخاروف، فقد كان على صغر سنه
آية من الذكاء والعقل والشجاعة النادرة، وكان اليد اليمنى لسلطان باشا
الأطرش في السلم والحرب».
ويصفه سلطان الأطرش في مذكراته بأنه: «الفارس المعلم والمجاهد الأنوف
الأكبر، والرفيق الأمين المخلص، وأن استشهاده مع نحو ثلاثين من فرسان
الجبل المشهورين قد كان استنزافا للقوة وذخيرة الأمل في النصر».
ومما قاله الباحث (عارف حديفة) عنه في كتابه (حمد البربور): « ولد حمد
البربور في قرية (أم الرمان) عام 1888م
في أول القرن المنصرم، وقتل (أجود البربور) والد حمد في بادية الأردن،
وترك زوجته حاملا بابنه الذي سمي باسمه
وهو شقيق حمد الوحيد الذي سيشاركه الحياة والمصير، وهكذا عاش حمد يتيما
في كنف أمه وأقاربه، وتعلم في بيئة مغلقة وقلقة لا تتيح للناشئين إلا
القليل من العلم ولكنها من ناحية أخرى تكسبهم الكثير من الحكمة العملية
المتوارثة والمكتنزة بالأمثال والأدب الشعبي، ولد حمد إذاً في فترة
عصيبة اشتد فيها الصراع مع الدولة العثمانية التي كان يحكمها السلطان
(عبد الحميد) بالبطش والقمع والفساد محاولا إدخال الجبل في حظيرة
الطاعة، وفي عام 1910م خاض فرسان الجبل معركتين خاسرتين في قرية
(الكفر) وقرية (مفعلة) وأجري استسلام للمطالب التي أملاها (سامي باشا
الفاروقي)، وسيق أكثر من ألف شاب إلى ساحة الحرب في البلقان منهم
(سلطان الأطرش)، وأصدر أحكاما بالسجن على الكثيرين، منهم (حمد البربور)
وأخذوه إلى (عكا) على الأقدام وموثقين بالحبال وسجنوا هناك في مستودع
للفحم ولم يفرج عنهم إلا بعد سنتين.
وكانت الحركة العربية الناشئة قد لفتت أنظار المثقفين والضباط العرب،
وانضم إلى الجمعية العربية الفتاة عدد كبير من الزعماء السوريين ونسقوا
مع الأمير (فيصل) الذي كان يستعد هو ووالده للثورة على الأتراك حيث
اتصلوا بزعماء الجبل من أجل نصرتها، وكان (حمد البربور) أول من رفع
العلم العربي في قريته (أم الرمان) قبل أن يتوجه مع (300) فارس بقيادة
(سلطان الأطرش) لطرد الأتراك وفتح دمشق مع الذين التقى بهم في (بصرى)
ورفعوا علم
الثورة في
سماء المرجة .
بعد أن احتلت فرنسا الدولة العربية الناشئة، وبعد أن استشهد البطل
(يوسف العظمة) قبل أن تصل النجدة من الجبل بقيادة (حمد البربور)، نشأ
وضع جديد في الجبل تمثل في مطالبة فرنسا الزعماء التقليديين بالاستقلال
تحت راية الاحتلال (كما يذكر الشهبندر في مذكراته)، في هذه الإثناء
توطدت العلاقة بين حمد البربور وسلطان الأطرش من خلال صحبة الجيرة
والمصاهرة والتجربة المشتركة ضد الأتراك.
في تموز من عام 1922م وصل (شكيب وهاب) إلى قرية أم الرمان حيث كان
سلطان الأطرش يقضي ليلته عند حمد البربور فأخبرهما بما جرى بشأن (أدهم
خنجر) وأنه التجأ إلى منزل سلطان الأطرش، وعندما علم سلطان بقيام
الفرنسيين بحبس (أدهم خنجر) في القلعة وقد تم الإشارة لهذه الحادثة
التي انتهت بإغارة الطائرات في (13 آب) من العام نفسه على قرى المنطقة
فخلفت وراءها الكثير من الأرواح والخراب.
وأقيل (ترانك) بعد الأحداث الأخيرة، وعيّن محله (الكابتن كاربيه) في
عام 1923م وكان الهدف تأديب الجبل وإحكام السيطرة عليه، حيث حاول
احتواء التمرد وقائده سلطان الأطرش وساعده الأيمن حمد البربور، فزار
الاثنين متوقعا أن يحقق مكاسب ويخترق جدار القوة والعزيمة لديهما.
ولكن الثوار أوسعوا الفرنسيين ضربا في حرب عصابات مدروسة، مما جعل
الناس تلتف حولهم ضد كل من وقف في وجههم قانعين أخيرا بأن الحق يؤخذ
ولا يعطى.
وفي عام 1924 فرض كاربيه نفسه كحاكم مطلق للجبل بعد وفاة (سليم الأطرش)
في 1923م، وكان حمد البربور في شرقي الأردن يشارك في تنصيب الأمير عبد
الله، وهناك تساءل في أثناء الاحتفالات عما يشاع عن تنازلات لليهود في
فلسطين، فترفع الأمير عن الإجابة؟!
وفي عام 1925م استقال كاربيه الذي ختم عهده بشيء من الحذر والتوجس
واستلم مكانه الكابتن (رينو) الذي بدأ زياراته إلى حمد البربور حيث
كانت الزيارات المتكررة ترمي إلى إبعاده عن سلطان الأطرش بغية إضعافهما
معا!
بعد أحداث السويداء التي أدت إلى اعتقال الشبان وفرض رسوم باهظة على
المدينة، واعتقال الوفود الذاهبة إلى دمشق ونفيها إلى (الحسكة)، أو
حبسها في (تدمر)، قرر سلطان الأطرش في 18 تموز 1925م التهيئة للثورة،
فتوجه مع 18 فارسا إلى أم الرمان وتوزع المهمات مع حمد البربور الذي
قام مع بعض الفرسان بالتوجه إلى القرى لجمع الفرسان.
علمت فرنسا بالأمر فبعثت طائرات للاستطلاع أسقط الثوار إحداها وأسروا
طيارها وتوجهوا إلى (صلخد) واحتلوا
القلعة، وأحرقوا دار البعثة فيها، وبعد ذلك قامت معركة (الكفر) التي
انتصر فيها الثوار انتصارا ساحقا ».
استشهاد حمد البربور في تل الخاروف:
يقول الأستاذ (غسان الشوفي): «جرت في تل الخاروف ملحمة بالسلاح الأبيض
لم يجر مثلها في البلاد منذ ذكر (الواقدي) خبر الفتوحات العربية، في
الملحمة الكبيرة التي تحدّث الناس عنها كالأسطورة في تل الخاروف، أصيب
حصان حمد البربور وهو يطارد فرسان الحملة حتى شمالي التل فهوت قائمتا
الحصان الأماميتان في خندق والرصاصة التي اخترقت الحصان أصابت ساق حمد،
فجثا خلف الحصان وتابع إطلاق النار من بندقيته العثمانية إلى أن أصيب
في صدره إصابات قاتلة، وفي جوار ذلك التل استشهد حمد البربور وفي أعلاه
شقيقه (أجود)».
ورغم الخسائر الكبيرة كان للمجاهدين الكبار في السن الدور في عودة
الثوار إلى التجمع والانتصار الأكبر في (المزرعة) إن الوطنية الحقة تلك
التي لا تبغي مكسبا ولا وساما وهي مغزى حياة الشهيد حمد البربور لذلك
فإن قبر حمد البربور في قرية (الدور) المجاورة لتل الخاروف وفي تلك
المقبرة المتواضعة هو أكبر مغزى لحياة ذلك المجاهد الثابت الباسل.
يقول الشاعر الشعبي (خليل مرداس):
يا قبر ابن البربور فالغيث يسقيك
رحمات مقرونة بالعفو وغفار
زهر الخزام والبنفسج يحييك
والركب تأتي ليك عالدوم زوار
قد أونسك يا قبر لما سكن فيك
وأصبحت يا قبر حمد علم ومزار
**********************************
المجاهد الشيخ
صالح القضماني رحمه الله

المجاهد صالح القضماني من أهالي
بلدة (قنوات)، كان في العشرين من العمر عندما التحق بالثورة السورية
الكبرى، وكان يتميز بقوة جسمانية فائقة، وينتصب بقامته كالرمح، عريض
المنكبين، عرف بالشجاعة وقوة البأس، واشتهر بالرجولة واقتحام المصاعب،
لا يخشى الموت لأنه آمن بالمقولة السائدة "اطلب الموت توهب لك الحياة"
باع قطعة أرض واشترى بندقية ووضعها على كتفه وتزنر بالرصاص، اشترك مع
رفاقه المقاتلين من قريته قنوات في معركة تل الخاروف، وفي فجر اليوم
الثاني تقدم صفوف المقاتلين في معركة المزرعة، ولم يكن المجاهدون
يعبئون بالموت فاخترقت عدة رصاصات جسد المجاهد صالح القضماني الرصاصة
الأولى أصابته في فكه الأيسر وخرجت من الجهة المقابلة، نظر إلى البعيد،
فرأى مصفحة تندفع للأمام وتطلق نيرانها بكثافة، مشى باتجاهها غير عابئ
بالرصاص، فاخترقت الرصاصة الثانية يده اليسرى ولم تمهله الثالثة ليلتقط
أنفاسه فأصابته في كتفه، لم يئن، جثا على ركبتيه لينتزع بندقيته،
فاخترقت الرابعة قدمه اليسرى، فخلع كوفيته عن رأسه، ومزقها... وضمد بها
جراحه النازفة، ووثب مسرعاً إلى أعلى المصفحة، ومن فجوتها صوب بندقيته
إلى رأس قائدها فقتله، ولاذ بقية الجنود في جوانبها، توقفت نيران
المصفحة وحركتها عند كتف منحدر، فقفز المجاهد عن ظهرها إلى الأرض،
وأسند كتفه إلى جانبها الأيمن، ودفعها بكل ما تبقى له من قوة إلى
المنخفض الجانبي، حتى قيل إن أصابع أقدامه خرجت من حذائه ، انقلبت
المصفحة رأساً على عقب، إلى الحفرة الجانبية، واشتعلت فيها النيران
وخرج من فيها إلى العراء رافعين سواعدهم، مستسلمين، وولوا الأدبار
تاركين أسلحتهم وذخيرتهم غنيمة سهلة للقادمين من الأمام ، واستمر يقارع
العدو رغم جراحه الأربعة النازفة والضمادات اكتست لون الدم، وبعد أن
توقف النزف سمع صوتاً يناديه من بعيد «الحقني يابو قاسم» فالتفت إلى
مصدر الصوت وإذ بأحد أبناء قريته يدعى (إبراهيم الجرماني) مستلقي على
الأرض يئن من جرح بليغ أصيب به، فركض مسرعاً إليه رغم الألم في ساقه
ووجهه وكتفه، وحمله على ظهره ونقله إلى مكان آمن خارج المعركة، وعندما
اطمئن عليه، أحس أن جسده غير قادر على العمل، وخشي أن يلفظ أنفاسه بين
اللهب ودوي الرصاص والشظايا قبل النصر، غير أن الثوار انتصروا، وبدأت
فلول الفرنسيين بالانسحاب بعيدا وبعد سنتين ونصف بقي الشيخ المجاهد في
بيته المتواضع يعمل في أرضه، وآثار الجراح بقيت في فكه، حيث كانت
الكلمات تخرج من فمه بصعوبة، وبقي متنقلاً بين كرومه وبيته
كالمدرعة الزاحفة إلى الجبهة يجللها وقار الشيخوخة، وشامخا كالسنديان
إلى أن رحل إلى ديار الخلد عام 1991م عن عمر ناهز الثامنة والثمانين
رحمه الله.
**********************************
المجاهد
رشيد طليع

«غمقوا الحفرة غمقوها.. إي غمقوها..» صرخت بأعلى صوتها وراح صدى هذا
الصوت يتردد بين الوديان السحيقة والجبال الشرقية المترامية في جبل
العرب، هكذا صاحت المجاهدة المرحومة السيدة (رضية سعيد)، وكان في
الميدان مجموعة من مجاهدي الثورة السورية الكبرى على رأسهم المرحوم
سلطان باشا الأطرش الذي استنكر صراخ تلك السيدة وأنبها قائلاً: «عيب يا
حرمة... عيب... شو ها الحكي هذا...، انت عارفة لمن نحفر هذا القبر..؟
هذا قبر المجاهد رشيد طليع..».
ردت المجاهدة: «أني عارفة وأرجوكم أن تنفذوا رغبتي ..». وعندما سألها
الحاضرون عن سبب إصرارها على تعميق الحفرة أجابت: «ادفنوا رشيد طليع
واقفاً ولا تبطحونه على الأرض حتى تبقى الثورة واقفة».
وهنا فهموا كلامها أي أن تستمر الثورة ولا تقف بموت المرحوم رشيد طليع.
كان المجاهد المرحوم رشيد طليع يعرف باسم مستعار هو(المقداد) ولد في
(جديدة الشوف) في لبنان عام 1876م، تعلم
فيها ثم أوفد للأستانة في تركيا حيث درس هناك في معهد الإدارة والمال
وتخرج عام 1900م، ثم عاد إلى بيروت ليعين مأموراً لولاية سورية،
وفي عام
1903م عين (قائم مقام) في بعلبك ونقل عام 1904م إلى الزبداني في نفس
المنصب، وانتقل بعدها إلى راشيا، فحاصبيا وفي عام 1908م نقل إلى عريقة،
وبعدها إلى المسمية، وفي عام 1911م عيّن متصرفاً لحوران، وفي عام 1913
نقل متصرفاً لطرابلس الشام،
وفي عام 1916م نقل إلى اللاذقية ليعين قائم
مقام. سقطت الدولة العثمانية في عام 1917 فعاد إلى بيته في لبنان،
وعين وزيراً للداخلية في عام 1918 في حكومة الركابي التي أمر بتشكيلها
الأمير فيصل.
في عام 1920م عين
حاكماً
على حلب بسبب الفوضى والأطماع التركية
والفرنسية هناك، وساعد وجوده على تقوية الثورتين: ثورة الشيخ صالح
العلي وثورة إبراهيم هنانو، وأمدهما بالمال والسلاح.
كلف بتشكيل
أول وزارة في الأردن في زمن الأمير (عبد الله)، قاوم الاحتلال
البريطاني بعنف، واضطر إلى الاستقالة من الوزارة، وانتقل إلى القدس
وشكل جمعية (مساعدة الأحرار) ولاقى من الإنكليز المضايقات الشديدة
فاضطر إلى المغادرة إلى مصر ليشارك زملاءه في الفكر والقلم، وكان من
بينهم المرحومين الأمير (عادل أرسلان) والعقيد (فؤاد سليم)، ومن هناك
جرت اتصالات وكتابات سرية بينهم وبين المرحوم سلطان باشا الأطرش
للتخطيط للثورة في جبل العرب، والتحق هؤلاء جميعاً بالثورة في الجبل
عند قيامها عام 1925م.
خاض المجاهد رشيد طليع عدة معارك كان آخرها معركة (الشبكي) حيث كان
يقود مجموعة ميمنة الثوار على الجبهة الغربية ومجموعة الميسرة يقودها
سلطان باشا الأطرش، ومجموعة الخلف من جهة الشمال يقودها المجاهد (محمد
عز الدين)، وقاموا جميعاً بمهاجمة جيش الجنرال الفرنسي (أندريا)، أسقط
الثوار للعدو طائرة حربية، ودامت المعركة ست ساعات انسحب العدو بعدها
خاسراً باتجاه قرى (شعف)، (الحريسة)، ثم إلى قرية (الهويا). في هذه
المعركة جرح رشيد طليع وبقي يعالج لعدة أشهر، وأصيب بمرض معوي أدى إلى
وفاته في قرية الشبكي، كان ذلك أواخر أيلول عام 1926م نعاه القائد
العام للثورة قائلاً: «فقدنا بوفاته ركناً من أركان الثورة، ورجلاً من
خيرة رجال العرب الأفاضل».
وفي عام عام 2003م جرى حفر ضريح المجاهد رشيد طليع، وكان الرأس أول ما
ظهر من رفاة المرحوم ثم الصدر والذراعين وبقية أعضاء الجسد.. ونقل
ليدفن داخل نصب تذكاري أقيم له على نفقة أهالي بلدة الشبكي تكريماً
منهم له باحتفال رسمي وشعبي مهيب.
**********************************
المجاهد
الشيخ يحيى رزق

بعد سبع سنوات من النفي في وادي السرحان عاد المجاهد (يحيى رزق) إلى
قريته خازمة في الجبل، في كتاب أحداث منسية وأبطال مجهولون للمؤرخ زيد
النجم ذكر : حين عاد إلى قرية (ملح) استدعاه الحاكم الفرنسي في (صلخد)
الكابتن (دزدريا) وأدار معه التحقيق قائلاً له:مين سمح لك بالعودة وأنت
خارج عن القانون؟أجاب المجاهد يحيى رزق: لما رحت من بلدي المحتل ما
أخذت إذن من حدا، ولما رجعت لبلادي وأرضي ما لازم يمنعني حدا، وما بأخذ
إذن من حدا، قال الكابتن: ما دام عبتقول بلدك وأرضك... ليش تركتا؟،
أجاب: ومين قال إني تركتا؟ نحنا حاربناكم، وانسحبنا لنرجع نحاربكم من
جديد، أنتو محتلين أرضنا، والانسحاب بالحرب مش عيب.. وأني انسحبت
ورجعت، وتابع بالقول: انتو بتعرفوا كيف جبلنا ترابها بالدم من دور
تركيا لليوم، وكيف بدنا نتركها؟ قال دزدريا وما جبلتوها أيضاً بدم
الفرنساويين؟ أجاب المجاهد وقد رأى أنه لا يجوز الانسحاب من المعركة
هذه: نعم انتو بتعرفوا مليح كيف جبلنا الأرض بالكفر بدم
ابني حسن وصربة ملح، وغيرهن، وكيف جبلناها بمعركة تل الخاروف بدم خيي
حمد ورجالوا، وكيف جبلناها بدماكم بالمزرعة، والمسيفرة، والغوطة،
وغيرها، وغيرها، نهض الكابتن دزدريا من وراء مكتبه وتقدم نحو المجاهد
يحيى
رزق، ومد يده مصافحاً، وقال: بون يحيى.. بون يحيى، نعم جبلتوها بدمنا،
ويحق لكم أن ترجعوا إليها، البلد بلدك.
استطاع المجاهد يحيى رزق فتح قريته خازمة دون قتال حين عاد ، فقد وجدها
على نحو يستدعي الجهاد من جديد إذ في غياب النسور تكثر البغاث والطيور
المدجنة، فهذا المستعمر من جهة، وتلك النزعات التي يغذيها من جهة أخرى،
وذلك الفقر من جهة ثالثة، كل ذلك قد دفع الأقارب لبيع الأرض الذي أفنى
حياته بالدفاع عنها، كما دفع الآخرين للاستهانة بهم فآلمه الموقف أكثر
مما آلمته أوجاع النفي، فاتخذ لنفسه القرار وكما كان قراره، يوماً أن
يمتشق السلاح، وأن يحمل بيته على ظهر جمل، وأن يرحل على صهوة جواد نحو
الأزرق، ووادي السرحان، لتستمر الثورة على الفرنسيين ، لذلك اتخذ قراره
بحمل محراثه وفأسه والرحيل نحو خربة خازمة والاستقلال بها، وأن يعيد
الاعتبار لها وأن يجعل منها قرية لها شأنها في الوجود ولها مكانتها
الاعتبارية الاجتماعية، ذلك لأن اجتماع الثوار في مغارتها (الدباكية)
دوّن في التاريخ، كيف كان موقفه فيها وموقف الثوار في اتخاذ قرار
المنفى الطوعي منها، بحضور قادة البلاد وثوارها الميامين.
بعد إحكام سيطرة الفرنسيين على الجبل، تجمع قادة الثورة في مغارة
الدبّاكيّة الواقعة شرق خربة خازمة وعلى رأسهم
قائد الثورة سلطان باشا الأطرش وبحضور كل من (شكري القوتلي، ود. عبد
الرحمن الشهبندر، والأمير عادل ارسلان وإسماعيل الترك، والمجاهد يحيى
رزق للتداول بأمر المواجهة العسكرية غير المتكافئة مع الاستعمار
الفرنسي بعد قتال دام أكثر من عامين وتكبدت البلاد خسائر مادية وبشرية
وخاصة أبناء الجبل.
وأثناء تلك الفترة دخل الجوع والفقر إلى كل منزل، وكان لاستعادة
المواجهة أن تتوافر المساعدات والدعم المعنوي والبشري، وضمن تلك الظروف
القاهرة طلب القادة من الثوار الاستمرار والمقاومة ووعدوا بالدعم
والتأييد الكاملين
وكان أحدهم يسبّح بمسبحة ثمينة ذات الحبات الكبيرة وكل حبة يسمع لها
صوت، الأمر الذي دعا المجاهد (فارس فرج)
من قرية (الغارية) أن يستأذن من قائد الثورة سلطان الأطرش بالجواب
فانتصب المجاهد فارس على ركبتيه وقد استولى عليه الغضب من مثل تلك
الوعود، وقال: يا شكري بيك، يا إسماعيل الترك يا فلان يا علان يا قادة
سورية، البلاد ما بتتحرر بطق المسابح، البلاد بتتحرر بالرجال والسلاح
والمال، هاتوا رجال وهاتوا سلاح ومال ساعتها بتستمر الثورة وغير هيك ما
بتستمر، وأنتو بتعرفوا وين راحوا رجالنا وين راح سلاحنا ومالنا وشو
بدكن أكثر من هيك؟، سكت الرجال وكان السكوت تعبيراً عن ضرورات القتال،
فأتى ذلك إيذاناً بإيقاف النشاط الحربي وبدء حرب العصابات، ثم طلب بعض
القادة الإذن بالانصراف وكان من بينهم شكري القوتلي، وتكليف أحد الحضور
أن يقودهم نحو المعمورة لينتهي الاجتماع الأخير للثورة السورية على أرض
المعركة، وبعدها ارتحل من أراد من الثوار بقيادة سلطان باشا إلى منطقة
الأزرق وأعلنوا بذلك بدء القتال على نحو آخر وكان من بينهم يحيى رزق
وأسرته إذ ترك ابنه عبد الكريم لإدارة شؤون بيته وأرضه وأمه (زريفة)
وطفلته (شمخة) حيث رفضت أمه التخلي عنها وأبقتها عندها، وابن أخته
(محمد رزق) وأسرته والمجاهد (علي الملحم)، ثم انتقل الثوار إلى منطقة
(النبك) في السعودية، ثم إلى وادي السرحان.
وبعد عودة الثوار ما بين عامي 1936 و1937م قابلت المجاهد (زيد الأطرش)
شقيق سلطان وذكرته بتلك الحوادث وأكد أنه قرأ عن هذا الاجتماع ضمن
مذكرات الدكتور عبد الرحمن الشهبندر الناطق السياسي باسم الثورة.
**********************************
المناضل محمد باشا عز
الدين

ولد (محمد باشا عز الدين) في قرية لاهثة عام 1889م، وتلقى علومه
القانونية والعسكرية في استانبول فكان يتقن اللغة التركية بالإضافة
للفرنسية، ونال عدة أوسمة في حياته العسكرية والمدنية، وقاد العديد من
الحركات الوطنية الثورية، وانضم في مطلع شبابه إلى حزب الاستقلال
العربي الذي كان من أعضائه البارزين الرئيس (شكري القوتلي) والمرحوم
الأمير (عادل ارسلان)، وبدأ حياته العلمية مرافقاً فخرياً برتبة رئيس
للسلطان (محمد الخامس)، ثم نقل بعدها إلى دائرة أركان الحرب، ورقي إلى
رتبة مقدم وعهد إليه بقيادة كتيبة (دوما) الاحتياطية عام 1911م، ولما
رأى مظالم الأتراك في كل أنحاء سورية وشنق بعض الوجهاء الوطنيين وهم:
(ذوقان الأطرش ويحيى عامر ومزيد عامر ومحمد القلعاني وحمد المغوّش وأبو
هلال هزاع عز الدين عم المجاهد ) وذلك في شهر آذار عام 1911م في ساحة
المرجة بدمشق، نشأ بينه وبين وزير الدفاع التركي خلاف كبير استقال بعده
من وظيفته العسكرية عام 1912م رافضاً بشدة هذه المواقف العدائية انتسب
إلى السلك الإداري في أواخر عام 1912م وعين مدير ناحية وتقلب في عدة
أقضية ومثل سورية الكبرى في مجلس المبعوثان العثماني في استانبول عام
1915م عين في عام 1917م قاضي تحقيق عسكري وكان مثال القاضي الصالح
والحاكم العادل ثم رقي لرتبة قائمقام عام 1918م في العهد الفيصلي وتولى
أقضية (العمرانية وراشيا وحاصبيا والزبداني وازرع) ثم عهد إليه
بمتصرفية درعا في 20 تشرين الثاني عام 1920م وحتى شباط 1921م، كما أسند
إليه
في العهد الفيصلي قيادة المنطقة الحربية في الزبداني، واشترك في معركة
ميسلون بقيادة وزير الدفاع السوري آنذاك
البطل (يوسف العظمة).

جاء في مذكرات المجاهد المرحوم محمد باشا عز الدين في كلمة جبل العرب
(سورية) التي ألقاها في بغداد بتاريخ 14/5/1939م في حفل تأبين الملك
(غازي) وكان حينها نائباً عن جبل الموحدين: «كنت قائمقاماً في الزبداني
قرب
ميسلون وكان جلالة المغفور له فيصل الأول يتفقد الأحوال آنذاك قبل
الواقعة المشؤومة، فتلطف جلالته وسألني بلهجته الخاصة: ما رأيك بالوضع
يا محمد؟ فأجبت: يا مولاي سندافع حتى نموت أو يكتب لنا النصر.
في عام 1923م عين نائباً عاماً ومديراً عاماً لجبل الموحدين، بدأ يقوم
باتصالات سرية مع رجالات سورية المخلصين
حتى بدء قيام الثورة السورية الكبرى عام 1925م حيث عهد إليه قائد
الثورة المرحوم سلطان باشا الأطرش بقيادة
المنطقة الوسطى والغوطة واللجاة فقاد عدة معارك منها معركة اللجاة
التي جرح فيها بطلقة مدفع جرحاً بليغاً في كتفه ومعركة لاهثة
حيث استطاع برفقة مجاهدي هذه القرية وغيرهم ممن كان لهم شرف المشاركة
بها، إيقاف العدو مدة 45 يوماً لم يستطع خلالها دخول القرية إلى أن
نفدت ذخيرة المجاهدين بالكامل، وكذلك معركة قرية مجادل، وصميد
غرباً وتل الخالدية شرقاً، ومعركة خلخلة، ومعركة ذكير شمالي
قريته لاهثة ومعركة المسمية في حوران إلى الغرب الشمالي منها،
إضافة إلى معركة المسيفرة عام 1925م التي قادها وفقد فرسه أثناء
المعركة، وموقعة الزور الثانية في 17
تشرين الثاني 1925م قرب قرية (المليحة) في غوطة دمشق حيث رابط مع
المجاهدين في طريق (جرمانا) واتبعوا العدو بالنار والسيف حتى أوصلوه
إلى أبواب دمشق، وقاد معركة حمورة في غوطة دمشق في 17 كانون
الأول عام 1925م
ومعركة جوبر والمليحة عام 1925م، ومعركة يلدا أو قبر الست،
ومعركة زاوية الحمرا قرب (داريا)، ومعركة مئذنة الشحم، والميدان،
والبوابة، وعربين، وحرستا، وجسر تورا، وشبعا،
وجوبر، مطلع عام 1926م، ومعارك النصف الثاني من عام 1926،
وأهمها: معارك برزة، ودوما، وعقربا، ويلدا
، وداريا ونزح مع القائد العام للثورة السورية
الكبرى سلطان باشا الأطرش وعدد من المجاهدين إلى الأزرق في الأردن
ومنها إلى النبك ووادي السرحان من أعمال المملكة العربية السعودية وقد
حكم عليه غيابياً بالإعدام وأمضى في الصحراء اثني عشر عاماً مبعداً مع
رفاقه المجاهدين وزار خلال هذه المدة مصر، والحجاز، والعراق، ولقي من
المسؤولين آنذاك كل حفاوة وتكريم، وعاد إلى الحجاز عام 1932م بطلب من
الملك عبد العزيز آل سعود وراح يتصل بعدد من الزعماء السوريين ليطلعهم
على أحوال المجاهدين وبقي معهم حتى عام 1937م حيث صدر العفو عنهم من
قبل الفرنسيين المستعمرين وعادوا إلى الوطن، لينتخب نائباً عن قضاء
شهبا عام 1939م ، وأحيل إلى التقاعد عام 1944م بناءً على طلبه، وفي عام
1945م أسهم بدور كبير في إلحاق الجبل بسورية الأم.
ترأس البطل حركات تحررية شعبية حتى وفاته في آذار من عام 1958م ودفن
في مدينة السويداء، في حفل تأبيني كبير شارك فيه العديد من الأطياف
الاجتماعية والسياسية من داخل وخارج الوطن، وقد وقف الفريق عفيف البزري
قائد
الجيش الأول آنذاك وتقدم مستلاً سيفه وانحنى أمام الجثمان احتراماً
وتقديراً لنضاله، عندها نادى عليه بصوته الجهوري القائد العام للثورة
السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش وقال له: «يا عفيف كرموا المجاهد أبو
توفيق، محمد عز الدين لأنه يستحق الكرامة والتكريم، فأنا اليوم فقدت
ساعدي الأيمن».

يذكر أنه في عام 2006م تم نقل جثمان المجاهد الكبير إلى بلدته لاهثة
حيث شيد له المخرج حسن عز الدين نصباً
تذكارياً كتب عليه: الشعوب التي تنسى تاريخها محكوم عليها بالموت، وزرع
على لوحة نحاسية أسماء شهداء قريته
ورفاقه في النضال، وجرى تدشين النصب في 11 أيار 2006م في حفل رسمي
وشعبي مهيب برعاية وزير الدفاع .
**********************************
الشيخ
يوسف حمد العيسمي

ولد يوسف حمد العيسمي في قرية أمتان عام
1885م، التابعة لقضاء صلخد وتعلم القراءة والكتابة فيها، والده أحد
الثائرين على الاحتلال العثماني ومن قادة الحركة العامية في الجبل عام
1888م، كان بعيد النظر وصاحب قرار ومؤمن غير
متشدد فكان على خلاف مع رجال الدين حول عبودية كثير من الأفكار فوقف
ضدها واعتبرها مضللة للعقل وناهض
العائلية واعتبرها ثقافة باطلة منكفئة إلى الخلف، عمل مزارعاً وفلاحاً
فقيراً وترك أرضاً متوسطة المساحة وبيتاً ما زال سقفه من تراب ، ابنه
حمد درّس مادة الرياضيات في مدارس السويداء وابنه كنج معلم ومغترب في
فنزويلا وابنه شبلي شغل أكثر من منصب وزاري، أخته (بسمة) أرملة الشهيد
(زيدان فرحات العيسمي) شهيد معركة المزرعة، و(درة) أرملة الشهيد (فايز
فرحات العيسمي) شهيد أرض فلسطين، وابنته (سعاد) أرملة الشهيد الملازم
أول أستاذ الفلسفة في مدارس السويداء (زيد نجيب العيسمي) شهيد الواجب
في الجبهة السورية ضد الصهاينة، ينادى المجاهد بأبي حمد وهو من
المجاهدين الذين تربوا في كنف الثورة، فقد شارك في النضال الوطني ضد
العثماني والفرنسي، لقبه الملك فيصل بـأبي
مسلم نسبة إلى (أبي مسلم الخراساني) لما يتمتع به من حنكة وشجاعة
وذكاء، وقد التحق مع كوكبة من فرسان الجبل
بقيادة سلطان باشا الأطرش بالجيش العربي في العقبة الذي يقوده الأمير
فيصل بن الحسين ومشوا في طليعة ذلك الجيش الزاحف إلى دمشق ودخلوها قبل
وصول الجيش العربي في 30 أيلول عام 1918م، رافعين العلم العربي فوق دار
الحكومة وكان عضو في مجلس نيابي ضمن حكومة الأمير (سليم الأطرش) في 21
مايو سنة 1921م حيث أقسم يمين الإخلاص للوطن أمام المجاهد رشيد طليع.
في عام 1923م اقسم يمين الولاء لمبادئ الثورة، ونتيجة لدوره المميز في
التعبئة ظهرت نتائجه في معركة الكفر، فقد رفض (نورمان) قائد
الحملة الفرنسية في معركة الكفر طلب سلطان باشا الأطرش بعدم سفك الدم
وزاد أن هدد بالإبادة، فقام البطل يوسف العيسمي بتأليف رسالة وحملها
بدوي شق صفوف المجاهدين عند نبع العين ليبلغها إلى سلطان بصوته الجهوري
قائلاً: إن 200 مقاتل من بدو (بني لوي) رهن إشارتكم للالتحاق والمشاركة
بالثورة، فأثارت هذه الرسالة
حماسة الثوار ومنذ ذلك التاريخ عرف يوسف العيسمي بـأبي لوي.
كما انتخب عضواً في المجلس الوطني عام 1926م، وترأس الوفد إلى عمان
لقبول العائلات النازحة داخل أراضيها
وواحداً من أعضاء الوفد الذي شكل لمقابلة الملك فيصل بن الحسين ملك
العراق آنذاك لمساعدة سورية، الأمر الذي دفع (خير الدين زركلي) عندما
زار وادي السرحان عام 1927م أن يقول فيه:« أبو حمد يوسف العيسمي، من
أكابر الموحدين ومن شجعانهم، ومن شعرائهم وأهل الرأي فيهم وهو عضو في
اللجنة العليا، واستهدينا ببروج السماء التي كان يحسن
البدو والموحدين معرفة منازلها، كان العيسمي يعين لنا وجهة السير
جاعلاً الثريا عن يمينه مستهدياً بنجوم أخرى».
وفي عام 1929م أوفد إلى الحجاز لمقابلة الملك عبد العزيز لمحاولة
إقناعه بالرجوع عن طلب ترحيل الثوار من الحديثة إلى الداخل أو خروجهم
من المملكة، فسافر عن طريق مصر واتصل بالزعماء المصريين برفقة الصحفيين
(تيسير ذبيان وعباس المصفي)، فقابل (مصطفى النحاس وأحمد زكي ومحمد علي
الظاهر) وزار أحمد شوقي أمير الشعراء ونقل إليه شكر قيادة الثورة على
قصيدته دمشق، وفي صيف عام 1933م عاد من وادي السرحان إلى الأردن برفقة
القائد العام للثورة وفريق المجاهدين بعد قبولهم لاجئين سياسيين، وفي
شهر أيار عام 1937م عاد إلى أرض الوطن برفقة سلطان الأطرش ورفاقه
واستقبلهم الشعب السوري استقبالاً عظيماً.
وفي 4 تموز عام 1953م مثل الجبل في مؤتمر حمص للقوى الوطنية وألقى كلمة
الافتتاح بالنيابة عن سلطان الأطرش الذي نعاه حين توفي في 23 /2/ 1974م
فقال فيه «أبو حمد علم انطوى، وسيف أنغمد، وله فضل كبير في الثورة».

يذكر أن المجاهد يوسف العيسمي يجيد نظم الشعر الشعبي وله دور في توثيق
الكثير من الأحداث الكثيرة بشعره حيث صور معاناة الثوار في المنفى -
وادي السرحان - ونضالهم الوطني.
ومن أشعاره:
بالعمر ما ذهبنا ذات لونين
***** الهدف واحد بس خدمة
وطنا
**********************************
المجاهد
المرحوم جاد الله سلام

الشاعر(جاد الله سلام) الملقب بأبي سلام
من قرية (طربا) التي تبعد عن السويداء حوالي 30 كم، من مواليد عام
1896م ،
رافق الثوار في معاركهم فوثق العديد من المعارك والأحداث بقصائده
الشعبية، ليكون مجاهداً مناضلاً استحق التكريم بالمرسوم التشريعي رقم
48 عام 1972م.
عاصر العثمانيين وفترة الاستقلال منهم وجاهد ضد الفرنسيين مع سلطان
باشا الأطرش وذلك بمشاركته في العديد من المعارك منها (المزرعة وشبكة
والغوطة ودوما والمسيفرة) بعد الثورة لم يحظ برضا الفرنسيين، وعين عنوة
عنهم في مجلس الإدارة لمدة شهرين وعزل عام 1930م، وفي العهد الوطني
انتخب ثانيتاً في مجلس الإدارة وبقي عضواً فيه
حتى عام 1945م، حيث عاد إلى الجبل وعمل طوال مدة ما بعد الثورة ضد
الانفصاليين عن سورية، ثم عين عضو
مجلس الإدارة والمحافظة.
شارك المرحوم جاد الله سلام في معركة المزرعة وقد وصف دوره في تلك
المعركة المجاهد الدكتور(عبد الرحمن الشهبندر) في كتابه (الثورة
السورية الكبرى أسرارها وعواملها ونتائجها) حيث قال: «حدث في المساء أن
ثلة من المجاهدين من أهل المقرن الغربي في نجران وعاهرة وهي اسم القرية
قديماً واليوم تسمى عريقة وغير ذلك من القرى ومعهم عدد كبير من أهل
المقرن الشرقي بينهم من الأبطال (جاد الله بك سلام، ومحمد بك شرف)
والجميع لا يبلغ عددهم المائتين التقوا بمؤخرة الجيش حيث الذخائر في
الطنابر وعلى ظهور البغال تحرسها الفرقة العسكرية، وكان ذلك في المقرن
الغربي ما بين قريتي (الدور وبصر الحرير)، فانقضوا عليهم انقضاض
الصاعقة ومازالوا يعملون السيف في
نقرهم والنار في ظهورهم حتى إذا خيَّم المساء كان العتاد جمعياً
والبغال والخيل بقطرة المجاهدين إلى القرى ولم ينجُ
من الفرقة العسكرية الفرنسية إلا من لاذ بالفرار إلى (ازرع) ليعلم
القائد أن سيل بني معروف لم يبقِ ولم يذرِ»
هذا البطل الثائر جاد الله سلام أحد قادة الثوار غزا الفرنسيين إلى
(العادلية) قرب دمشق يتغنى بأيام الحرب والشباب في الوطن وفي البوادي
موطن هجرة الثوار، أفاضت قريحته الشعرية قصيدته التي عنونها (الدهر)
التي قالها عام 1927م على إثر قصف الطيران الفرنسي قريته طربا راثياً
بها والده وآخرين قائلاً بمطلعها:
الدهر دولاب على الناس دوّار
واليوم دور رحاه داير علينا
خمسة سنين نجرع الصبر ومرار
مع ستٍ هدّن القصور الحصينا
إبكِ على اللي يكرم الضيف لازار
تفرح به الخطار والناحرينا
وابكِ على أيامٍ بها السعد ثار
يا ما بهم روس النوابي
رقينا
ويا ما مشينا بديرة الخوف بنهار
ويا ما بعتمات الليالي سرينا
عرف عن المرحوم جاد الله أنه كان قاضياً عشائرياً، إذ يذكر مع والده
(حسن سلام) في رأس قائمة القضاة العشائريين المعروفين في جبل العرب
والذين يعون العادات والتقاليد ، فقد جاءه الشيخ (صياح الهتم) عام
1928م وهو أحد وجهاء عشيرة (المساعيد) عندما كان مخيماً في أراضي طربا
فنزل بالقرب من أحد وجهاء البدو من عشيرة (رولا) واسمه (عضيب) فأخذ
صياح قلادة مهره وهي من سلالة (العبيات)، ورفض إعادتها له، فقال عضيب:
«نحتكم إلى قاضي
عشاير، وقال صياح: وهذا يكون جاد الله سلام ومن المعروف أن صياح له
معزة خاصة عند أبو سلام جاد الله سلام
فذهبا إليه وقال عضيب: مدخل حقي عليك وبعد أن سمع منهما ما قالاه وبنفس
الساعة قال هذه الأبيات:
عَنيك يللي مدّخل الحق ليَّ
********
ابشر بحقك واللوازيم يا عضيب
واللي خذا لك طوق بنت العبيا
******
بالحق والسيف لا بد ما يجيب
صيّاح، لا تشرب على الحق ميا
******
الحق قبلك نوخ الفُّطر النيب
وبعد أن سمعا الأبيات أعيد الحق لأصحابه»
وتناول في شعره المواضيع المعروفة في الشعر الشعبي من مديح وفخر وقد
أبدع في الرثاء، وتداول مع أصدقائه ومعاصريه من الشعراء الشعبيين في
أمور السياسة كالحرب العالمية الثانية, ومع المجاهدين المبعدين من
أهالي جبل العرب في وادي السرحان، وتداول معهم هموم نكسة عام 1967م
وكان متألماً من وضع العرب في تلك الفترة ولكن
أمله في النصر القريب تجلى دائماً في شعره الذي تناول القضايا القومية
والوطنية.
يذكر أن المجاهد الشاعر جاد الله سلام قد توفاه الله في قريته طربا
بتاريخ 22 شباط عام 1982م، وبقيت ذكراه
عاطرة في قلوب أهله وأحفاده.
ومن أشعاره رحمه الله :
هيه يللي راكبين على السلايل
******
فوق ضمر يمَّ طربا ناحرينا
سلموا ع ربعوعنا وقولوا لهايل
********
بالسويدا ثارنا حنا خذينا
**********************************
المجاهدة
السيدة فريدة أم نواف حمود نوفل

اعتقل المجاهد (حمود نوفل) أبو نواف عام 1911م من قرية (الهيات) مع
أخيه (محمد) وأودعا سجن القلعة بدمشق مع أبناء جبل العرب بسبب مناهضتهم
لمظالم الوالي التركي (سامي باشا)، وبعد أن ولد نواف أمنت والدته
(فريدة) عليه عند أهلها وذهبت إلى دمشق تحمل معها طعاماً لزوجها
المعتقل واضعة بين طيات رغيف خبز نسلة منشار حديد، ونفذ المعتقلون
خطتهم وفر منهم حوالي تسعين سجيناً في أكبر عملية هروب من سجن عثماني،
وكان لها أثر كبير في انتصار أبناء الجبل في معركة المفعلاني
الشهيرة، غير أن الرجل مات عام 1914م وهو يحارب العثمانيين ولم ير طوال
فراره ولده نواف، وبقيت زوجته السيدة فريدة على اسم زوجها وعلى عاداته
وتقاليد أهله حيث أبقت مضافته مفتوحة للضيوف، والقهوة المرة تدار في
جنباتها على الضيوف ، وكان همها تربية ابنها نواف الذي بلغ من العمر
أربعة عشر عاماً عندما قامت الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا
الأطرش، وألهبت أصداؤها مشاعر الكره والثورة على كل ظالم
ومستعمر، فحملت أم نواف بندقية زوجها، وأخفى نواف سكينه في ثيابه وسارا
إلى موقع المزرعة .
يقول القائد العام للثورة السورية الكبرى في كتابه الذي وثقه (منصور
الأطرش): «قال الشيخ (هاني علم الدين) من مدينة السويداء: بعد أن بدأ
هجومنا الخاطف على العدو سلط رامي الرشاش نيرانه علينا فاستشهد على
الفور(حسين وفرحان وأسعد علم الدين) وكاد يقضي علينا لو لم يتسلل فتى
في الرابعة عشر من عمره وعاجله بطعنة سكين أودت بحياته، فأسرعت نحوه
وقبلته في جبينه وحاولت أن أعرف اسمه فلم يجبني ولم يقل غير بخاطرك
ياعم ووثب كالنمر باتجاه اثنين من رفاقه كانا يفعلان فعله في المعركة
فلم أتمالك نفسي من البكاء وأنا أنظر إليهم وسط غبار المعمعة الرهيبة».
بعد انتهاء المعركة عادت السيدة فريدة مع المقاتلين إلى الهيات وبقي
منزلها مفتوحاً أمام الثوار، وأصبح نقطة اتصال بين ثوار اللجاة وثوار
الصفا، فما كان من الفرنسيين بعد أن علموا بأمرها إلا أن قصفوا بيتها
فرحلت مع ابنها واخو زوجها المجاهد محمد إلى الصفا للالتحاق بالثوار
عام 1927م، وعندما كانت تنقل الماء والطعام إلى الثوار لاحقتها طائرة
فرنسية وقصفتها بكل حقد الطغاة فاستشهدت على الفور تاركة ابنها نواف
يذوق طعم اليتم من جديد.
غير أن الشاب الذي تابع جهاده وجد في الصهاينة هدفاً جديداً للانتقام
فالتحق عام 1948م بجيش الإنقاذ في فلسطين وكرس وقته للانتقام لأمه
وأبيه غير عابئ بالموت، وبعد عودته من هناك مكسور الأجنحة، التزم الصمت
ولم يشأ أن
يخبر أحداً عما لاقاه في معركته الأخيرة، رافضاً بالوقت عينه لغة
الهزيمة، وراح يلتفت لأرضه من جديد منتظراً فرصة للانتقام حتى واراه
الثرى عام 1981م دافعاً معه مرارة اليتم ثلاث مرات بعد ضياع فلسطين.
**********************************
المجاهد
أجود مرشد رضوان

المجاهد أجود مرشد رضوان ابن مدينة السويداء وأخوه هو حسين مرشد رضوان
الذي أطلق الرصاصة الأولى على الملازم الفرنسي (مورييل) أثناء التظاهرة
السلمية الصاخبة التي قام بها شباب السويداء بتاريخ
2 تموز عام
1925م احتجاجاً على الجرائم التي ارتكبها الحاكم الفرنسي (كاربييه)
والموجود آنذاك في إجازة بباريس، فحكم على حسين مرشد بهدم داره.
سلامة عبيد - الثورة السورية - ص 120و121
وعندما زار المندوب السامي (ويغان) مدينة
السويداء بمناسبة عيد الاستقلال الوطني لدولة جبل الدروز، وليعلن
تأييده لكاربيية ضد الثوار، جرى له استقبال رسمي وشعبي بالإكراه، وكان
الاستقبال بدءاً من طريق نزلة الأعوج حتى الشرطة العسكرية اليوم، وتم
جلب طلاب المدارس الذين لم يتجاوزوا العشرات آنذاك مع عدد من الأهالي
للاستقبال، وكان الهتاف للدولة العتيدة والانتداب الفرنسي، وعندما
أقترب موكب الجنرال ويغان من الأهالي قام المجاهد أجود مرشد رضوان
بالقفز على سيارة ويغان ووضع مسدسه الخاص على رأسه وقال له أنطق عاشت
سورية حرة مستقلة، فاستنفر الدرك الفرنسي دون جدوى، ولم يتركه المجاهد
حتى قال ما أراد، ولكنه تلقى من العقاب بعد ذلك ما جعله يندم على عدم
إطلاق النار عليه.
وعندما قررت قيادة الثورة السورية الزحف على غوطة دمشق لمقاتلة
الفرنسيين بعدة فصائل يقودها عدد من زعماء الثورة قدر عددها آنذاك
بحوالي 300 مقاتل كان منهم
المجاهد أجود وإخوته الثلاثة (فندي وهزاع
وحسين) وبعد أن وصل الثوار إلى مشارف الغوطة أخذوا ينفذون هجمات
متواصلة ليصلوا إلى أسوار دمشق
متبعين أسلوب الكر والفر،
استمرت المعارك عدة أيام سقط فيها عدد من الشهداء، وفي جوار قرية
(يلدا) كان المجاهد أجود رضوان يصول ويجول ويبدي الكثير من ضروب
الشجاعة، ويهزج ويغني وهو المشهور بين رفاقه بدقة التصويب، وبينما كان
يفترش الأرض لإحكام الرماية سقطت بجانبه الأيمن قذيفة مدفع فرنسي
وانفجرت محطمة عظام ساقه، وحولتها إلى قطع متناثرة يربطها الجلد الأسمر
المخضب بالدماء، طلب من أخيه فندي الذي كان على مسافة قريبة منه
خنجراً وقام ببترها، ولفها بعصابته جيداً حتى يوقف النزيف، وحملها بيده
اليسرى وتأبط بندقيته ثم طلب من أخيه فندي أن يواصل القتال ويتركه وحده
غير
أن الشقيق أبى ذلك وسار بجانبه ودخلا إلى أحد البيوت القريبة حيث تم
إسعافه.
لقد جاء في مذكرات الأديب الراحل (نعمان حرب) عن سيرة الأبطال المنسيين
أن أجود رضوان بقي رابط الجأش
يخاطب أخاه بصوت عالٍ وبعبارات حماسية، وقد قدم له أحد الثوار جواده
حيث امتطاه وعاد به إلى السويداء مع أخيه فندي، وفي طريق العودة عندما
كان يلتقي الرجال السائرين على الطرقات يمسك بساقه المبتورة وينتخي بها
أمامهم فتثير الحماس في النفوس ويبعث فيهم روح التضحية، وبعد أن وصل
إلى بيته بالسويداء بعد مسيرة يوم كامل على جواده لم
يفقد بها وعيه ولم تخفت لهجته، أخذ يعالج الجروح بالأدوية المتوافرة،
ومرت الأيام وبقي الجرح على حاله وبدأ التعفن
في اللحم يزداد، وكانت الأدوية مفقودة والطبابة غير موجودة، واللجوء
إلى مشافي دمشق غير ممكن، فسافر إلى عمان
التي كانت ملجأ الثوار آنذاك وبقي شهراً كاملاً في مشافيها يعالج
الجروح، وسافر بعدها إلى الأزرق وأقام فيها سنتين ونصف السنة، وعندما
لجأ الثوار إلى الأردن بعد توقف العمليات الحربية في الجبل عام 1927م
التحق أجود بهم وبقي معهم حتى عاد بصحبتهم إلى الوطن عام 1937م، حيث لم
يجد في بيته ما يقيه العوز مع زوجته وطفله فقرر أن يعمل بتصليح الأحذية
بكل تواضع الكبار حتى لا يحتاج أحداً، واستمر في عمله هذا حتى انتقل
إلى جوار ربه في 22 آذار
عام 1983م مودعا الحياة المديدة التي قضاها في الجهاد المشرف.
**********************************
المجاهد
محمد حسين خيو

كان حذاؤه قد تقطّع، ولم يعد ممكناً أن يرقعه أكثر من ذلك، ولا مجال
لشراء حذاء آخر، فهل يجلس في البيت بانتظار المعجزة ويترك رفاقه
يقاتلون وحدهم؟ .... لاحت النار أمامه كأنها المنقذ الوحيد لمشكلة
يعاني منها المئات من الجبليين بسبب الفقر والقحط والاحتلال، فقام على
الفور ووضع قدميه في النار حتى اشتم رائحة اللحم المحترق، فأخرجهما من
النار ووضعهما بالماء، وهكذا، إلى أن مات اللحم نهائياً ووصل إلى مرحلة
أصبحت قدماه تشبه خفي جمل، وبقيت على
هذه الحال حتى توفاه الله .
المجاهد الشيخ محمد حسين خيو مولود في قرية (رضيمة اللوى) عام 1899م
وتوفي عام 1989م التحق بالثورة السورية الكبرى عندما نشبت في منطقة
اللجاة وكان من عداد عصابة (سعيد عز الدين) حسب الوصف العثماني، وعرف
آنذاك
بأنه رأس حربي لا يشق له غبار.
كان أحد الذين التحقوا مع الكثيرين من أهله لمقاومة الاحتلال الفرنسي،
ويقول في إحدى المقابلات الصحفية معه سابقاً: «بعد وصول الفرنسيين
حاولوا دخول اللجاة من أربع جهات، فتجمع المجاهدون إلى الغرب من قرية
(أم حارتين) ومعهم عائلاتهم والقليل من المئونة، وكان الهدف وضع خطة
للمقاومة ، وقرروا إرسال عائلاتهم من نساء وأطفال إلى (تل اشهيب) على
بعد حوالي 30 كيلومتراً إلى الشرق من اللجاة وكان الهدف من ذلك أن
يقاتلوا وهم مطمئنين على عيالهم ، وكانت العصابة تضم (محمد عز الدين
وسعيد عز الدين وعبد الحميد العك وشاهين عبيد وإبراهيم خيو وقاسم
الزربة وحسن خيو وهلال مكارم وعبد الغفار عز الدين وسعيد عبيد وغالب
خزاعي عز الدين) وعدد آخر لم أستطع تذكر أسمائهم، وكان أول لقاء مع
العدو في اللجاة حول قوس نجمة وبقي القتال من الصباح حتى
المساء، كبدنا العدو خسائر كبيرة وأوقفنا زحفه واستشهد منا شاب لم يمض
على زواجه إلا قليلاً هو (حسن خيو)».
وبعد أن استولى الفرنسيون على القرى وتوقفوا عن متابعة الثوار في
اللجاة بدأ هؤلاء بشن الغارات على الأعداء بشكل يومي، ما دعا القيادة
الفرنسية لإرسال عدة فرق عسكرية عبر اللجاة مدعومة بالطائرات لقصف
مواقع الثوار وإخراجهم منها، وكانت المعركة الثانية في قلاع الجف
حيث استشهد المجاهد (حمد مكارم)، ونتيجة للخسائر الكبيرة التي لقيها
الفرنسيون بالعدد والعتاد لم يعد يجرؤ على دخول اللجاة، وكانت المشكلة
الكبيرة بالنسبة للفرنسيين طوال تلك الأيام هي الوصول إلى المياه حيث
استطاع الثوار ببسالة أن يصدوا الحملات المتوالية للاقتراب من آبار
المياه، وعندما يئس العدو من السيطرة على اللجاة قام بشن الغارات على
الثوار وتكثيف حملات المشاة حولهم وضرب حصاراً كاملاً على المنطقة
بالإضافة إلى وضع الألغام في البيوت بعد استيلائه على القرى التي لم
يبق فيها سوى العجزة، ما اضطر الثوار إلى
الانتقال إلى منطقة الصفا شرقاً على بعد 40 كم من اللجاة حيث ظلوا على
هذه الحال متنقلين في المغاير مع أسرهم مدة خمس سنوات، ولم يستطع
الاحتلال بكل جبروته أن يفت عزائمهم أو يحتل مواقع المياه في (قاع
البنات وقاع السبلان وسوح عوض وسوح حسين) وعلى الرغم من كل الإغراءات
بالمال والجاه التي كانت تغدق على الثوار للدلالة على
مكان قائد جماعة سعيد عز الدين أو قتله، إلا أن ذلك لم يكن يجلب
للفرنسيين إلا الخيبة».
أما بعد الجلاء عاش المجاهد محمد حسين خيو كغيره من السوريين يزرع
الأرض ويحصدها ولكنه تابع حياته مثلما
بدأها، فلم تعد قدماه إلى طبيعتها أبداً وضل مواظباً على نفس الطريقة
التي كان يستعملها في شي قدميه بالنار في
الصيف والشتاء إلى أن انتقل إلى جوار ربه عام 1989م.
**********************************
المجاهد
الشهيد شهاب حمد غزالة

في 21 تموز عام 1925م تجمعت قوة فرنسية
قوامها 173 عنصراً بين ضابط وجندي، مسلحين بالرشاشات بقيادة الكابتن
(نورمان) المشهور بشدة اعتداده بنفسه وغطرسته التي استمدها من أسلافه،
وكان مكان التجمع قرية الكفر في مكان صخري وعر اختاره الكابتن لكي يسهل
عليه صيد الثوار وشل حركتهم حيث لا تستطيع الخيل الجري بحرية.
وكان الهدف من حملة نورمان تحرير الأسرى الطيارين الذين سقطوا في قرية
أمتان والقضاء نهائيا على الثورة، تجمع ما يقارب من خمسمائة مقاتل من
المجاهدين في قرية (العيّن) التي تبعد مسافة سبعة كيلومترات عن الكفر
مسلحين بالبنادق والخناجر والفؤوس والبلطات والسيوف، ومنهم من كان
سلاحه العصا، وجلّهم من المقرن الجنوبي ومن (ملح) تحديداً بقيادة حامل
البيرق الشاب شهاب غزالة، وعندما وصلوا إلى التجمع الآخر الذي يقوده
سلطان باشا الأطرش قامت النخوات وأنشدت الحناجر جوفيات الحماسة مطالبة
بالتوجه الفوري نحو الكفر.
وتوقع سلطان باشا يومها ألا ينتظر مقاتلو ملح بعد أن أثاروا موجة عارمة
من الحماسة للحرب وملاقاة العدو في الكفر
دون إبطاء، وبعد أن كان رد قائد الحملة الفرنسية نورمان سلبيا على طلب
سلطان باشا بالانسحاب، لم يستغرق انتقال المحاربين من العيّن إلى الكفر
أكثر من ساعتين، حيث سار المشاة في طريق وعر ومختصر، وانطلق الثائرون
جميعا بخيلهم ومشاتهم وفي وضح النهار باتجاه موقع الحملة، وشكلوا فكي
كماشة وانطلقوا في لحظة واحدة على الجنود المحاصرين الذين استماتوا في
الدفاع عن مواقعهم فكانت نيران بنادقهم ورشاشاتهم تحصد الثوار
المهاجمين حصدا، وقنابلهم اليدوية وبنادقهم القاذفة تتساقط على
التجمعات ودون انقطاع بحيث لم تصل طلائع الفرسان وحملة البيارق إلى
ميدان المعمعة وتلتحم مع رماة رشاش الهوشكيس في الخطوط الأمامية إلا
بعد أن اخترقت أجسادهم عشرات الشظايا والرصاصات القاتلة، استمرت
المعركة ساعتين في أسرع المعارك المعروفة في العالم، وقد كان عدد شهداء
الثوار أكثر من خمسين شهيدا، بينما لم يبق من حملة نورمان إلا
خمسة جنود فروا باتجاه قلعة السويداء، لعب السلاح الأبيض دوره الفعال
في القتال بعد الالتحام بين الفريقين ولم يتمكن شهاب غزالة حامل البيرق
من استعمال بندقيته، وراح يضرب ببيرقه كل من صادفه من الفرنسيين، كأسد
شرس ينقض على فريسته بكل عزم ودون خوف، وغرس حامل البيرق في ظهر رامي
الرشاش فصرعه، حتى قنصته رصاصة غادرة استشهد على إثرها، وبعد استشهاد
شهاب غزالة استلم البيرق (سلامي البديوي) الذي استشهد أيضا، ودفن البطل
شهاب في الكفر في الوعر بدار السيد (محمد عكوان) شرق المشهد جنوب
الثانوية حالياً، عندما أقدمت بلدية الكفر على شق طريق يمر فوق مدفن
المجاهد شهاب أعلمت أهالي بلدة ملح الذين قاموا بحفر المدفن ونقل رفاته
إلى بلدتهم، حيث شيد له مشهد يليق بضم رفات الشهيد في أول بلدة ملح،
وأقيم احتفال كبير بتدشين المشهد في 17 نيسان عام 1998م.

يُذكر إن الشهيد شهاب حمد غزالة من مواليد عام 1880م متزوج وله ابنتان
الأولى (نظارة) وهي متزوجة من السيد (حسين غزالة) والثانية (بدر
النعام) زوجة (حسين بشنق).
**********************************
المجاهد
الشهيد حامد قرقوط
كان الشهيد حامد قرقوط في طليعة المجاهدين
اشترك في معركتي السويداء وشهبا عام 1879م وأصيب برصاصة
برجله في عهد سامي باشا الفاروقي، وسجن في عكا ثم في دمشق ثم نفي إلى
تركيا وعندما نشبت الثورة العربية الكبرى قدم إلى جبل العرب السيد
(نسيب البكري) واجتمع بـحامد قرقوط في (تل بركات) قرب الغارية وقرر مع
إخوانه مقاومة الأتراك وطردهم فأرسل (جمال باشا السفاح ) كتاباً لـحامد
يظهر فيه العطف واللين ويطلب مقابلته مع من اجتمع بهم في مدينة (السلط)
وأرسل له وساماً باسم الدولة العثمانية ولكنه أبى قبوله وتابع النضال
حتى خروج الأتراك وقبيل قيام الثورة السورية الكبرى بدأ يجاهر بمناهضته
للفرنسيين فسجنوه في السويداء ثلاثة أشهر مع أولاده واضطهدوه واتهموه
بأنه استودع لـسلطان باشا الأطرش أسلحة الملازم (بوكسان) الذي قتل في
معركة تل الحديد إثر حادثة اعتقال المجاهد (أدهم خنجر) من بيت
سلطان باشا، كما اتهم بقتل بوكسان لاقتنائه باروده ألمانية وبوكسان كان
قد قتل بباروده ألمانية.
كان له نصيب في معركة المزرعة واشترك في معركة عرى ومن
الطريف أنه تسلل إلى تل المجيمر حيث يتمركز المدفع الذي نصبه الفرنسيون
هناك فقتل القائمين عليه وكسبه، وحين قام (كاربييه) بجولة على قرى
المنطقة استدعاه وضربه بعقب البندقية فجرحه لأنه لم يخرج لاستقباله،
وقد هدم الفرنسيون داره في (ذيبين)، وكان يستلم التبرعات التي تقدمها
الجمعيات العربية والإسلامية ثم يوزعها على مجموعات المجاهدين المرابطة
في الجبل والتي كانت أرسلت أبنائها إلى (البلقاء والأزرق) وفي (تل
اللوز) و(أبو زريق) قاتل واستشهد عام 1926م وهو ما يؤكده كتاب:رجالات
جبل العرب - لمؤلفه :مهنا كرباج.
وبلدة ذيبين هي بوابة جبل العرب على محافظة درعا وعلى شرقي الأردن حيث
لها تاريخ من النضال والجهاد منذ أيام العثمانيين والفرنسيين وقدمت
الكثير من الشهداء ، حيث تؤكد قوائم شهداء معارك الثورة السورية الكبرى
دور هذه البلدة وغيرها من القرى المجاورة في معارك الثورة، ففي
موقعة المسيفرة استشهد: (سعيد حمد الحناوي وحمدان سلمان الحناوي
ومحمد ذوقان قرقوط وكامل حسن حاطوم وفواز حسن حاطوم ومحمد يوسف
الريشاني وحسين وهبة)وفي موقعة حبران استشهد: (سلامي أحمد
الحناوي وقاسم السغبيني وسلامي حسن بو حمدان ونايف محمد بو حمدان) وفي
معركة المزرعة استشهد: (داود قطيش ومحمد نجم رعد وشحاذي بشير،
وداود فارس القطان وحسين يوسف ماضي) وفي موقعة رساس استشهد:
(محمود علي حسن ومحمود شبلي حسن وحسن حمود حسن) وفي معركة راشيا -
البقاع استشهد (بشير رحروح وسليم الحسنية) وفي معركة ذيبين،
(عبد الله العميري) وفي معركة أبو زريق الشهيد حامد قرقوط.
**********************************
المجاهد
جاد الكريم الحلبي

ولد المجاهد جاد الكريم الحلبي عام 1888م في قرية (عتيل) وشارك في
الثورة السورية الكبرى إلى جانب رفاقه الثوار في معركة الكفر
التي قادها المغفور له سلطان باشا الأطرش حيث أن الحملة الفرنسية كانت
قد خيمت في موقع (عين موسى) التابعة لبلدة الكفر وعندما علم الثوار بها
وكانوا متواجدين في موقع (سد العين) والواقع إلى الشمال من مدينة
صلخد بعث القائد العام للثورة رسولا من بلدة الكفر وهو (أسعد مرشد)
ليخبر الفرنسيين وينذرهم بأن يغادروا الموقع
فجاء الرد بالرفض عندها أعد الثوار خطة حربية خاطفة وتوزعوا حول وجود
الحملة فحاصروها من جميع الجهات ثم انقضوا عليها كالعقبان فأبادوها عن
بكرة أبيها ومن نجا منهم لاذ بالفرار.
وشارك أيضا في معركة المزرعة حيث أصيب بطلقات نارية في كتفه
وساقه ولكنه تابع القتال وتمكن من الوصول إلى دبابة للعدو وتمكن من قتل
قائدها، واستولى على باروده وحقيبة مملوءة بالنقود الفرنسية وبنفس
الوقت كانت الدماء تنزف من كتفه وساقه، وقد كان للمجاهد شرف تكليفه مع
المجاهد (حمد البربور) والمجاهد (سلمان الحلبي) بمرافقة الثائر
(ابراهيم هنانو) من بيت المرحوم (نجم عز الدين) في قرية الثعلة إلى
الأردن حيث الملك فيصل وذلك على أثر اتصالات تمت بين قائد الثورة
والمجاهد (محمد عزالدين)، كما شارك أيضا في معركة اللجاة.
**********************************
المناضل
القومي منصور سلطان الأطرش

يعد منصور سلطان باشا الأطرش واحداً من أهم الشخصيات الوطنية التي قدمت
للوطن الكثير من التضحيات، وبرحيله فقدت الساحة الوطنية السورية
والقومية العربية واحداً من رجالاتها الذين تميزوا بروح النضال القومي
العربي، ناهض الديكياتورية ورفض الانفصال لتعيش سورية تجربة وطنية
ديمقراطية فيها روح الانتماء.
منصور الأطرش مولود في قريته القريا عام 1925م وهو من أطفال وادي
السرحان ينادى بأبي ثائر.
أمضى المناضل منصور طفولته مع من يذق مرارة العيش لأجل حرية الوطن
والاستقلال، وهو من تربى على النضال الثوري منذ ولادته، لذا استطاع في
شبابه أن يكون من الشخصيات الوطنية التي ناضلت في سبيل وطنها وقدمت له
ما
لديها من مقدرة ثقافية واجتماعية لتضع بصمة وعلامة بارزة في جبهة
التاريخ العربي المعاصر، من هذه الثقافة الوطنية بزغ نجم منصور الأطرش
ليتسلح إضافة إلى وطنيته بالعلم السلاح الأنجع في تنمية حركة التحرر
الوطني وليحمل دبلوماً في العلوم السياسية من الجامعة الأميركية عام
1950م وإجازة في الحقوق في عام 1954م، ليصبح الصوت الوطني الصادق عن
أبناء عشيرته الذين انتخبوه في البرلمان السوري ممثلاً عنهم عام 1952م،
بعد إن شارك مع رفاقه المناضلين الثوريين في تأسيس حزب البعث العربي
الاشتراكي وطليعته الثورية ويتبوأ منصب وزير الشؤون الاجتماعية والعمل
عام 1963م ومن ثم رئيس للمجلس الوطني لقيادة الثورة في عام 1965م، وفي
نكبة العراق الأخيرة كان عضواً مؤسساً في لجنة نصرة العراق المنكوب عام
2001م ورئيساً لتجمع لجان نصرة العراق في بلده الحبيبة سورية عام 2003م
وعضواً في المؤتمر القومي العربي عام 2004م .
وعندما اشتد عليه المرض أشرفت القيادة السياسية وعلى رأسها سيادة
الرئيس بشار الأسد على علاجه حيث نقل إلى مشافي وجامعات خاصة لتلقي
العلاج المناسب، حيث شيعت محافظة السويداء يوم الجمعة الواقع في
17/11/2006م
وفي موكب شعبي ورسمي ووطني مهيب المغفور له منصور سلطان الأطرش عن عمرٍ
تجاوز الثمانين قضاه في تعميق الثقافة الوطنية للدفاع عن قضايا بلاده
ونصرة أبناء عروبته، ونعته وسائل الأعلام، وكتب في صحيفة تشرين الشاعر
الكبير سليمان العيسى أبياتاً من الشعر يرثي فيها الراحل:
يا بن العرين ويا رفيق جراحنا
والريح تمضغ حلمنا الموءودة
سيظل بيتك عبر حالكة الدجى
ناراً تضيء دربنا ووقودا
امدد يديك إلى الرفاق من الردى
الفجر فجرك ما يزال بعيدا
**********************************
المجاهد حسني عباس صخر قائد الدرك

من مواليد دمشق 1877م ولوجود خلاف يعتقد بعض ذويه إن تاريخ
ميلاده يعود إلى عام 1850م ، درس في دمشق
فأجاد اللغة التركية لفظاً وكتابة، ومن ثم التحدث بالفرنسية
فقط ، رزق بإبنتان وأربعة ذكور وهم:(جميل - مأمون -
سمير
- مروان ) كان عفيف النفس وكريم اليد، توفي في 18 أيلول
عام 1952م .
أمضى حياته مجاهداً في سبيل وطنه، فرغم الإغراءات التي قدمت له
إثناء الثورة العربية الكبرى لم يخرج عن مساره الوطني وكان
برتبة يوزباشي آنذاك، عين في مناصب عديدة منها رئيساً لدرك
حكومة الجبل المحلية عام 1923م فحصل على عدة أوسمة، لاحق
الجواسيس وعملاء فرنسة فصدر بحقه وبحق عدد من المجاهدين ذكروا
سابقاً حكم بالإعدام صادر عن المجلس العدلي بدمشق بتاريخ 17 آب
1926م، بجلسة علنية وبإمضاء (بيار بازي) لقيامهم بمحاكمة عميلا
المخابرات الفرنسية في حوران هما (شفيق بن عباس وسالم بن حسن)
والحكم عليهما بقطع اليد اليسرى بعد أن شكلت محكمة برئاسة
الدكتور الشهبندر وتم تنفيذ الحكم من قبل قائد الدرك حسني عباس
صخر.
كان عضواً في مجلس الثورة الحربي ففي منتصف عام 1925م تعرضت
قرية (مجدل شمس) في جبل الشيخ، لأعمال عنف قام بها جنود
المستعمر، فطلب أهالي مجدل شمس النجدة من سلطان باشا الذي أمر
بعقد المجلس الحربي للثورة والذي حضره كلاً من:(زيد الأطرش -
فؤاد سليم - حسني عباس صخر - نزيه مؤيد العظم- سعيد العاص
)
فقرر المجلس وجوب إرسال النجدة بأسرع وقت، فتم تكليف المجاهد
زيد ذوقان الأطرش لقيادة هذه الحملة.
وبناءاً على طلب من ثوار حماه بقيادة المجاهد فوزي القاوقجي
أرسل سلطان باشا سرية من فرسان بني معروف بقيادة الضابط (حسني
عباس صخر) إلى قرية (عين القصب) الواقعة بين حمص والقريتين
لدعم الثورة في المنطقة الوسطى.

بعث ساراي يوم 11تموز 1925م برسالة سرية
إلى مندوبه في دمشق يطلب منه أن يستدعي بعضاً من زعماء الجبل
بحجة التباحث معهم بشأن مطالبهم ليقوم بالقبض عليهم وإرسالهم
منفيين إلى تدمر والحسكة، وقد نفذ المندوب هذه الخدعة فعلاً
بزعماء الموحدين إلا سلطان الذي تنبه ونبه لما يراد بهم فرفض
المجيء إلى دمشق، ومن الثوار الذين قبض عليهم: (عقلة القطامي -
الأمير حمد الأطرش - عبد الغفار الأطرش - نسيب الأطرش) حيث
نفوا إلى تدمر، و(برجس الحمود - حسني عباس صخر - علي الأطرش -
يوسف الأطرش - علي عبيد) نفوا إلى الحسكة.
قدم المجاهد حسني صخر استقالته من منصب
قائد درك حكومة الجبل التي سلبها الفرنسيين عدة مرات، فمنذ أن
تولى كاربيه إدارة حكومة الجبل قدم استقالته لأنه رفض أن يؤتمر
بأوامر تضر بالأهالي والثوار، لكن طلبه كان يقابل من قبل
المستشار بالرفض والتهديد بالمحاكمة العسكرية بتهمة الفرار من
الوظيفة
،
وفي تاريخ10 أيلول1930م
تمت الموافقة على الاستقالة بتوقيع من (ديبوي)
**********************************
الشهيد
المجاهد شاهين أبو حمدان

البطل أبو حمد
شاهين أبو حمدان ولد في مدينة السويداء عام 1891م وتوفي مستشهداً في
معركة المسيفرة عام 1925م شارك البطل في معركة الكفر والمزرعة
والمسيفرة، ومعارك أخرى حدثت في مدينة السويداء، البطل شاهين شاب
متحمس عريض المنكبين ذو شاربين معقوفين للأعلى تظهر قسوة الحياة على
وجهه، سريع الحركة، وتمتع ببنية جسدية عالية وصلابة في التعامل وقوة
البأس والديانة، أخوه المجاهد محمود وأبناء عمومته هم المجاهدين يوسف
وسعيد.
قبيل موقعة المسيفرة اجتمع رجال السويداء مع بيرقهم الخفاق الذي كان
يحمله المجاهد الشهيد (سالم علم الدين) وكان المجاهد شاهين من بين
المجتمعين وتحت شرابة البيرق لأن بين آل علم الدين وآل أبو حمدان قرابة
ومخول.
في إثناء المسير إلى المسيفرة وضع أبو حمد شاهين يده على لجام الفرس
التي تسير بجانبه ولم يأخذ قسطاً من الراحة أبداً وهو يثير الحماسة
والنخوة في نفوس المجاهدين الذين قارب عددهم 450 مجاهداً ومردداً بصوت
عال عبارة:
(الله من جهد البلى
والضيم ما نصبر عليه)
ويقول بعض أبناء السويداء (والله شاهين ما راح يرجع) (راح أبو حمد)
(متحمس كثير) حتى بدأت المعركة وكشفت
القنابل المضيئة ساحة الوغى، عندها تقدم البطل سالم علم الدين حاملاً
بيرق السويداء بسرعة وبجانبه الأشاوس من أبناء الجبل، حينها تقدم
المجاهدان محسن محمود أبو حمدان وسعيد أبو حمدان وأخذا بقص الأسلاك
الشائكة وعندما انتهى المجاهد محسن من قص السلك الثالث وقف المجاهد
سعيد منتصب القامة غير آبه بالنيران والرصاص وهو يرمي ببندقيته ليغطي
على المجاهد محسن الذي وصل إلى أحد المتاريس الفرنسية ورمى بنفسه على
الجنود الفرنسيين وفي هذه اللحظة رآه عمه أبو حمد شاهين حيث ضن أنه
استشهد فصاح بصوت مدوي (عينيك يامحسن) فقفز فوق الأسلاك حتى أصبح داخل
معسكر الفرنسيين، وبشهادة أبناء أخيه وضع كلتا يداه على رقبتي جنديين
فرنسيين ولم يتركهما حتى فارقا الحياة، وعندما وقف وهو ينتخي ويقول
(ياما عند محسن) ولم ينتبه إلى إن محسن كان على قيد الحياة وفي هذه
اللحظة تلقى جسده الطاهر رصاص الفرنسيين الغادر من كل جانب وهو ينتخي
بكوفيته ويردد (ياما عند محسن) فوقع على الأرض شهيداً مضرجاً بدمائه
بعد أن اخترقت جسمه ما يقارب الخمسة عشرة رصاصة منقذاً بذلك حياة أبناء
أخيه (محمود) محسن وفارس وأبناء عمومته سعيد ويوسف ليكون من جملة
الأبطال الشهداء الذين جمعهم المستعمر الفرنسي في أرض المسيفرة والذين
بلغوا أكثر من 250 شهيداً ليتم إحراقهم ولتبقى هذه الأرض شاهدة على
وحشية أفعال المستعمر الفرنسي.
**********************************
الشهيد
المجاهد سليمان العقباني
كان في الخامسة والثلاثين من عمره عند إعلان الثورة السورية الكبرى،
وفي مقدمة الأبطال الذين خاضوا غمار معركة المزرعة ,يصول ويجول على ظهر جواده بين الجنود الفرنسيين ويضرب بسيفه كل من يلقاه ويقطع جثة المضروب
إلى قسمين من كتفه حتى خاصرته, أو يقطع رأسه من العنق ولم يستعمل
بندقيته كتب المجاهد الدكتور عبد الرحمن الشهبندر في مذكراته عن الثورة
في الصفحة 166 «ومن برز في هذه الملحمة وفاق الأقران المرحوم سليمان
العقباني من بلدة السجن فكان ينفرد من المقاتلين ويهز صارمه وينادي:
اشهدوا اشهدوا - اقرؤوا اقرؤوا، ثم يكر على المستعمرين فيضرب الواحد
منهم بسيفه ضربة كثيرا ما بترت عنقه أو شقته نصفين وقد قتل في هذه
الطريقة ثمانية عشر جنديا» ولكن القدر نكب البطولة بأعظم رجالاتها فقد
أصيب فارس معركة المزرعة في الساعة الأخيرة من يوم القتال عندما كان
يتعقب
الجنود الفارين على مسافة بعيدة من ساحة المعركة وبرصاصة غادرة أردته
شهيدا.
**********************************
المجاهد
حمد يوسف أشتي

المجاهد الشيخ أبو يوسف
(حمد يوسف أشتي)
حياته غنية بالشجاعة والتضحية والكبرياء والكرم،
ولد عام 1900م عاش بكنف أمه حيث توفي
والده وهو صغير، وكان وحيدا لآمه ربته على
الكرم والشجاعة والأمانة والعمل بإخلاص والتفاني بحب الأهل والوطن،
كما تربى بأحضان عائلة كريمة لها أثر بارز بين العائلات المشهورة
بالجبل .
تعلم منذ الصغر على الوطنية ومقاومة المستعمر الفرنسي على يد المجاهد
الشيخ أبو حسين أحمد حمود أشتي الذي كان له باع طويل بمقارعة المستعمر
العثماني والفرنسي وغزوه بمعاقلهم وسلب سلاح حراسه بعد قتلهم .
المجاهد الشيخ حمد يوسف أشتي كان له شرف المشاركة بمعركة المزرعة
المشرفة حيث كان سلاحه بندقية فرنسية طويلة وطوله يزيد عن طول البندقية
بعشرين سم، إعترضته إحدى النسوة خوفا عليه
لصغر حجمه من المشاركة مع المجاهدين قولها للثوار (حرام عليكم تقودوا
هذا الولد للمعركة) لكنه تملص منها ولجأ إلى أحد الثوار الخيالة يرجوه
أن ينقذه من هذه المرأة قائلا (دخلك يا عمي خلصني من هذه العجوز)
وتمسك بركابه وانطلق سيرا على الإقدام .
كانت مجموعة من الثوار يحاصرون قلعة بني معروف (قلعة السويداء) وعلى
رأسهم الشيخ المجاهد أبو حسين أحمد حمود أشتي ويطوقونها لمنع إمدادها
بالذخائر والمؤن برا وجوا حيث يجابهون الطائرات لمنع سقوط المؤن داخل
القلعة .وقرروا دخول القلعة وإشعال النيران فيها .فوقع الاختيار على
البطل حمد يوسف أشتي لتنفيذ هذه المهمة,وكان رأس المخطط لهذه العملية
الفدائية المجاهد الشيخ أحمد حمود أشتي،
فكان يصحبه يومياً لمحاصرة القلعة ويستكشفون ويخططون كيفية التوغل
والدخول للقلعة وكيفية اختراق الأسوار الشائكة والجدران الإسمنتية
العالية، تم القرار لمكان الدخول من الجهة
الجنوبية للقلعة حيث هي مسورة بسور إسمنتي يوجد فيه فتحة صغيرة لخروج
مياه الأمطار وكذلك محاطة بثلاثة أطواق من الأسلاك الشائكة .
لما علمت أم البطل حمد يوسف أشتي عن العمل الذي سيقوم
به ولدها الوحيد, جاءت إلى الشيخ
(أحمد حمود أشتي)
وقالت له (ما بتخاف من الله وحيدي مالي بالدنيا غيره تريد تحرمني منه)
فكان جوابه لها (ابن تسعة لا يموت ابن عشرة).
لما جاءت ساعة الصفر والحسم كانت ليلة ليلاء مظلمة , اجتمع قسم من
الثوار وتبرع المجاهد محمد بلان بصفيحة زيت كاز وعلبة كبريت,
وقبل دخول المجاهد البطل حمد يوسف أشتي لتنفيذ المهمة المحفوفة
بالأخطار تزود بالكاز والكبريت ثم ودع رفاقه في حال فشل تلك العملية
العظيمة وإتكل على الله وبدأ بالتسلل وتمكن من اجتياز الأسوار الشائكة
بكل حذر وخفة تهربا من عيون الحراس الذين كانوا يجولون بمناطقهم وثم
اجتاز السور الإسمنتي من فتحة المياه وكان حذرا من حدوث ضجة,
وأخيرا تمكن دخول مستودعات الذخائر,ثم أفرغ زيت الكاز على
صناديق الذخائر وأعطاها النار, وقبل أن يكشف
ويعلم أمره من قبل العدو تمكن من الخروج متسللا من حيث جاء,
وبعد لحظات كانت الإنفجارات حيث أضرمت النار وكانت الشهب تعانق
السماء .
على الفور القوات داخل القلعة بدأت بإطلاق القنابل المضيئة لتضييق
الخناق على الفاعل وكشفه، كان الفدائي البطل
حمد يوسف أشتي عند إضاءة القنبلة يتلبس الأرض دون حراك حتى تنطفئ
وبعدها يتحرك بسرعة كي لا يكشف أمره حتى تأتي قنبلة أخرى وهكذا،
تمكن بعون الله تنفيذ المهمة والخروج بسلام و وبدأت الأنوار الكاشفة
الدوارة تضيء الأرض خارج السور، وأخيراً
اهتدوا إلى كتلة حية تتحرك بدأت القنابل تطلق عليه حتى أصابته إحداها
رفعته عن الأرض عالياً ورمته ولحم فخذيه متناثراً وجسمه مهشم ويده
اليسرى عظامها محطمة وبعد صوت إغاثة حضر إليه بالحال المجاهد أحمد حمود
أشتي ونقله على ظهره إلى قرية مصاد، لما
علمت والدة الفدائي البطل بما أصاب ولدها الوحيد هرعت إليه وشاهدته
بأسوأ حال لحم فخذاه متناثر وإحدى خصيتاه متدلية حتى ركبته وعظام يده
اليسرى محطم, طلبت من إحدى النسوة الحاضرات إبرة عادية وخيط حرير طبيعي
فوضعت الخصية بمكانها بالصفن وأجريت عملية الخياطة وتمت العملية بنجاح,
وبعدها نقلوه أولاد عمه إلى مكان آمن وليس إلى المشفى الفرنسي خوفا من
أن يكشف أمره .
تزامن مرور سلطان باشا الأطرش ولفيف من الثوار منهم المجاهد
(سعيد رزق)
والمجاهد (سلمان برق)
إلى المقرن الشرقي من قرية مصاد وهم يرووا خيولهم من مياه عين مصاد
تقدم أحد أبناء عم الفدائي حمد من الباشا وقال له (هل تريد مشاهدة الذي
أحرق القلعة) قال لازم أشوفه، أولاد عم
الفدائي حمد جلبوه محمولا على فراش وعندما شاهده الباشا وبحضور
المجاهدين تشفق وأثنى عليه لقيامه بتلك المهمة الصعبة,
وعندها خاطب المجاهد سعيد رزق الباشا وقال (هذا الرجل بأي شيء
يكافئ) فكان جواب الباشا بالحرف الواحد (إذا رجعت المياه إلى مجاريها
له بذمتنا دينة كبيرة)
ثم نقل أولاد عم الفدائي البطل مع والدته إلى خربة سيع قرب قنوات بعيدا
عن القنابل المتساقطة على قرية مصاد ولبعد المسافة عند تزويده
بالحاجيات نقلوه بعد ذلك إلى تل جنجلة شرق مدينة السويداء وأودعوه مع
والدته في مغارة وهذه المغارة مسكننا للوحوش،
وعندما حل الظلام جاء هذا الساكن القديم وهو ضبع كاسر إلى منزله وهم
بالدخول فوجده مسكوناً ببديل عنه وكون المغارة قعرها أخفض من بابها ومن
بالداخل يرى القادم ,عندها قال الفدائي البطل لأمه الجبارة المؤمنة (إجانا
الضبع يا أمي), فكان قرب أمه صفيحة فارغة وبضربة قوية على الصفيحة
أحدثت ضجة كبيرة كأنها قنبلة عندها هرب الضبع ولم يعد .
كان العلاج الوحيد ودواء جروح الفدائي البطل هي بالطب العربي خفان وزيت
ودباغ (قشر رمان) وصبر وساءت حالة الجروح والتهبت وتعفنت بحيث رائحتها
لا تطاق, عندها آسف الفدائي عن يده اليسرى حيث عظامها بارزة من اللحم
وبدأ يكسرها بآلة حديده (كماشة) وينزعها وطلب من جده لامه الشيخ حسين
عبيد الذي كان له خبرة بالطب الشعبي قطع هذه اليد لأنها إذا كتبت له
الحياة لا تعينه بشيء ,رفض جده بذلك وطلب منه الصبر وكسب الثواب .
بعد معاناة أكثر من ثلاثة أشهر من ألآم كتبت لهذا الفدائي البطل حمد
يوسف أشتي الحياة بعد شفائه من جروحه وبقي معاقاً طيلة حياته بيد واحدة
حيث أن يده اليسرى المصابة بدون عظم من المرفق حتى المعصم لا تعينه على
شيء وكان يلف تلك اليد بقطع من القصب (عضايد)
والخرق لتبقى ممدودة.
بعد أن تم الاستقلال ورحيل المستعمر عن أرض الوطن ذهب الفدائي البطل
حمد يوسف أشتي إلى عرين القائد العام للثورة سلطان باشا الأطرش وعرفه
بنفسه, فكان جواب الباشا للفدائي البطل (هذا إنت؟ بعدك طيب) إلا أن
القائد العام زوده بوثيقة بخط يده يثني عليه وأمثاله من الثوار
المجاهدين الأبطال, وكانت هذه الوثيقة عند
الفدائي البطل حمد يوسف أشتي وسام شرف يبرزها عند الحاجة،
ثم تزوج بابنة المجاهد احمد حمود أشتي وكتبت له الحياة حيث
وافته المنية في 28 تموز عام 1992م .
توثيق عن الأستاذ : عابد حمد أشتي/
السويداء
**********************************
المجاهد
الشيخ أحمد حمود اشتي

المجاهد الشيخ أبو حسين أحمد حمود اشتي
مثله مثل أقرانه من بلدته كان مكافحا يعمل بالأرض فلاحة وزراعة،
هذا جانب حياتي أما جانب الجهاد ومقاومة المستعمرين أتراك وفرنسيين
كانت مليئة وحافلة بأحداثها.
كانت أولى محاولاته الجهادية مقارعة المستعمر العثماني , فكان يستطلع
المواقع العسكرية نهارا ثم ينقض عليها ليلا, كان يتخفى بكافة الوسائل
معظمها على شكل وحوش حتى يتمكن الوصول إلى الحرس وبضربة واحدة يسقطه
وينتزع سلاحه وذخيرته ويعود من حيث آتى،
كانت كل عملية لا تتم بمثل سابقتها من حيث أسلوبها .
كان يغذي قلعة بني معروف (قلعة السويداء) وتزود بالمياه قناة مكشوفة
تأتي من ظهر الجبل وكان المجاهد يجعل هذه القناة طريقه ذهابا وإيابا
خوفا من تعقبه وكشف آثار أقدامه .
كانت إحدى غزواته بعد تنفيذ عملية قتل أحد الحراس لم ينتظر تخليصه
سلاحه من أكتافه بل وضع رجله على صدر الحارس وشد بالسير للبندقية (قشاط)
فخرق البزيم السير وشرطه حتى نهايته ,وعند عودته في وسط قناة المياه
سقطت منه إحدى الخرطوشات بالقناة ولم يتمكن من الاهتداء عليها ليلا.
عندها بنى بعض الحجارة (قعقور) بقرب مكان ضياع الخرطوشة ثم أرسل زوجته
باكرا للتفتيش عن الخرطوشة وجلبها بعد أن عين لها المكان بدقة ,فعادت
وكانت معها الخرطوشة المفقودة .
كان يأتي بائع جوال يبيع ثماره للجنود العثمانيين المتواجدين بالقلعة
وكان هذا البائع في الماضي جندي عثماني وكانت خدمته في قلعة القصير قرب
دوما شرق دمشق وتمت صداقة وتعارف بين هذا البائع والمجاهد احمد حمود
اشتي ولما كل واحد منهم وثق بالآخر اعلمه البائع بان في قلعة القصير
مستودعات للأسلحة والذخيرة ويمكن الوصول إليها والحصول على الأسلحة بعد
تسلق جدار المستودع الموجود بالطابق الثاني بعد أن أعلمه عن المستودع
المتواجد فيه الأسلحة .
فأخذا عهدا على بعضهما وتواعدا على يوم معلوم وكان بصحبة المجاهد احمد
ثلاثة رجال من أنسابه من السويداء من آل أبو جابر وآخرين من آل الشحف
من قرية مردك وذهبا مع ذلك البائع سيرا على الأقدام من السويداء إلى
مكان وجود القلعة وتم استطلاعها من كافة جوانبها ,فمكان وجود الأسلحة
بغرفة على طرف القلعة بالطابق الثاني ولها شباك مغلق بالحجر وطين
التراب وبجانب الجدار شجرة عالية إلى مستوى النافذة ,وكانت أدوات
الاقتحام حبال وخناجر وبعض من قطع الحديد ( مسكة مقلاة +
أزاميل ) وتزامن موعد الاقتحام بأن الجنود يحتفلون بمناسبة لهم
حيث ضجة كبيرة من الغناء والموسيقى .
عندما اكتملت فكرة الاقتحام كانت ليلة مظلمة وبصحبته الرجال الثلاثة
اقترب المجاهد احمد من جدار القلعة وبدأ بحفر ثقوب بالجدار ويضع مكانها
قطعة حديدية ويسند رجله عليها ثم يعمل حفرة أخرى فوقها ويتمسك بها
وأحيانا يستعين بالشجرة الملاصقة للجدار وهكذا حتى أصبح على مستوى
النافذة المغلقة بالحجر والطين فتمكن من إحداث ثغرة بالشباك لدخول
المستودع بعد نزع أحد الحجارة وإسقاطه مما احدث صوتا قويا عندها انتبه
الجند لذلك الصوت وانقطعوا عن الغناء عن الغناء وهرعوا تجاهه فلم
يشاهدوا آية حركة حيث تمكن المجاهد احمد إخفاء جسمه بالشجرة, وبعد أن
هدأت الأمور عاد الجند إلى طربهم . تمكن المجاهد من دخول المستودع
وأشعل شمعة ووجد صناديق كثيرة ,وبواسطة خنجر (مجدلاني) معه تمكن من فتح
أول صندوق وجد فيه حبات بنادق ثم فتح آخر وجد فيه مسدسات وقنابل ثم فتح
ثالث وجد فيه بنادق وهي المطلوبة . بدأ بضم كمية بنادق وربطها بالحبل
الموجود لديه وإسقاطها متدلية بالحبل حيث التقطها رفاقه المنتظرين
وهكذا تكررت عملية إسقاط البنادق أربعة مرات . وأخيرا تمكن من النزول
من نفس المكان الذي سلكه صعودا بحذر وعناية , فكانت كمية البنادق 36
بندقية توزعت على أربعة رجال وأقفلوا عائدين سيرا على الأقدام ليلا
والاختفاء نهارا حتى وصلوا قرية مردك أودعوا البنادق بمكان آمن .
أثناء طريق العودة أحد الرجال تعب من حمله فرمى بندقية من حمله وبعد
مسافة ليست بقليلة علم المجاهد أحمد بذلك فأنبه على ذلك واستفسر منه عن
المكان الذي رمى فيه البندقية وعاد المجاهد فوجدها وضمها إلى حمله .
ولما علمت السلطات العثمانية حدوث فقدان سلاح من مستودعاتها أعطت العلم
إلى كافة مخافرها بالبلاد ولم تتمكن من معرفة من قام بذلك. إلا أن احد
الرجال من مرافقي المجاهد تشاجر مع زوجته فأفشت بالسر ووصل الخبر
للسلطات وطلب الرجل للتحقيق واستلمت الأسلحة وأفشى عن أسماء من كان معه
ومن خطط لهذه العملية، عندها قامت السلطات
بالتفتيش عن المجاهد أحمد فلم تجده حيث كان متواري عن الأنظار, استدعت
السلطة رجل من آل اشتي يدعى حمد شهاب اشتي وطلبت منه تسليم المذكور,
كان جوابه للسلطة لا يمكن جلبه والعثور عليه هذا رجل كسار (شجاع وقاسي)
وإذا أعطيتموه الأمن والآمان والعفو يمكن تسليمه , فلما أبلغ الحاكم
العسكري بذلك أعطاه الأمن والآمان بالعفو،
عندها حضر المجاهد البطل بين يديه, قال له الحاكم (أنت الذي خططت لجلبت
الأسلحة ؟ وكيف تسلقت الجدار؟ وكيف حملت كمية البنادق؟ وأكثر من ذلك ما
شعرت بالخوف عند اقتحامك القلعة؟) فكان جواب البطل (بهمة الله وهمتك
أني ما بخاف ولكن لي طلب أعطوني بندقية منهم) كان جواب الحاكم ( عفونا
عنك أغلى من البندقية ) فأجابهم المجاهد (الله بيفرجها وتغيب الشمس
ونشوف ) وبنفس الليلة تسلل إلى احد المخافر فوجد كافة عناصره نائمة
واستطاع كسب جميع بنادقهم من مشبكها دون أن يعلم فيه احد .
هذه ومضة مضيئة جهادية على ذلك المجاهد احمد حمود اشتي بالمستعمر
العثماني, أما مع المستعمر الفرنسي فكانت مليئة بالحوادث ومقارعة
القوات وكانت أكثر الأحيان تصحبه ابنته ثريا (أصبحت فيما بعد زوجة
المجاهد الفدائي حمد يوسف اشتي) لتزويد الثوار والمجاهدين بالزاد
والمياه والمؤن، كان المجاهد من الثوار
الأوائل بمحاصرة قلعة بني معروف (قلعة السويداء) ومن المخططين لغزوها
داخلا هو والمجاهد حمد يوسف اشتي والذي بدوره استطاع اختراق الأسوار
الإسمنتية والشائكة وتفجير مستودعات الذخيرة ولكن حدثت مفاجأة بعد
تنفيذ المهمة أصيب هذا الفدائي خارج أسوار القلعة بقنبلة سقطت بقربه
رفعته عن الأرض وأسقطته نازفاً من كثرة جراحه وعظام يده اليسرى مسحوقة,
وكتبت له الحياة بعد شفائه وعاش بقية حياته معاقاً بيد واحدة.
وحادثة مشهورة للمجاهد أحمد في موقعة السويداء الأولى,
عند مغادرته قريته مصاد لمجابهة القوات الغازية تزود برغيفين من
خبز الشعير وبندقيته, ولما أصبح بأطراف
القرية سمع بكاء أطفال يتامى في أحد البيوت ,قال لأمهم (لماذا يبكون
أولادك يا حرمي) , فأجابت الأم (أصبح لهم يومان لم يذوقوا الزاد يا أبو
حسين) ,فأعطاها زوادته (رغيفين خبز الشعير) وتابع مسيره للجهاد.
اعترضته طيارة وأسقطت قنابلها عليه مما أحدثت غبارا كثيفا ,عندما شاهده
الثوار القريبين منه قالوا (يا حيف راح أبو حسين) وبعد انقشاع الغبار
عنه شاهدوه يقيس المسافة بينه وبين التي لم تنفجر بيده (شبره) وجدها
سبعة أشبار فقال (هذي السايبة ما انفجرت)
وكتبت له الحياة حتى وافته المنية عام 1939م
توثيق عن الأستاذ :
عابد حمد أشتي/ السويداء
**********************************
المجاهدة
البطلة ثريا أحمد اشتي (أم يوسف)

كان المرحوم سلطان باشا الأطرش عندما
يُسأل من وكالات الأنباء والوفود التي تزوره عن من شارك بالثورة من
المجاهدين يكون جوابه:" كل من كان يافع حين قيام الثورة فهو مجاهد "
هذا الكلام لا ينطبق عن عنصر الرجال فقط بل ينطبق على العنصر النسائي
حيث كان جهادهن تزويد الثوار بالمؤن والذخائر والمياه والطعام والأكثر
من ذلك دب النخوة في رؤوس المجاهدين وحثهم على الدفاع عن تراب الوطن
والأرض والعرض، وإن تاريخ الثورة مُقل جداً
بتاريخ جهاد العنصر النسائي وهن كثيرات.
ومن هؤلاء المجاهدات المجهولات المجاهدة البطلة ثريا أحمد اشتي, حيث
كانت منذ نعومة أظفارها المساعد والمعين لوالدها حيث كانت ترافقه
وتعينه على العمل بالأرض والزراعة, فكان يحس برفقتها السعد والتوفيق
فكان يدعوها
(سعيدة).
ولما قامت الثورة السورية الكبرى بقيادة المرحوم سلطان باشا الأطرش
كان والدها المجاهد الشيخ أحمد حمود اشتي من الرعيل الأول الذي شارك في
الثورة, وخاصة بمعركة السويداء،
أصرت المجاهدة ثريا أحمد اشتي على مرافقة والدها يومياً لمقارعة
المستعمر والاشتراك في الثورة وكان عتادها وسلاحها الزاد والماء, فكانت
تحمل جرار الماء على كتفها من عين قرية مصاد وترافق والدها إلى أرض
المعركة في موقع كوم الحصى حيث كانت جبهة القتال ممتدّة من موقع كوم
الحصى وحتى أرض قريتي الرحى ومصاد, فكان دورها أن تنخي المقاتلين وتدب
الحماسة في رؤوسهم وتزودهم ببعض الزاد والمياه حتى تفرغ ما معها من ماء
ثم تعود وتملأ جرتها ثانية من أقرب عين ماء بالمنطقة مثل (عين طيجه -
عين النجّارية) وتعود لأرض المعركة, فضلاً عن ذلك كانت تضمد
جراح المصابين وتسعفهم وتنقلهم من أرض المعركة, وكانت ترافقها بعض
الأحيان المجاهدة نايفة حمدان اشتي.
وبعد أن خمدت الثورة تزوجت من المجاهد الفدائي حمد يوسف اشتي وقبلت فيه
رغم كونه رجلاً معاق بيد واحده، وتلك الإعاقة كان قد أصيب بها بعد أن اخترق
أسوار قلعة السويداء وإشعال النيران بمستودعات الذخيرة وبعد خروجه
أصابته إحدى قنابل العدو وسقط مضرجاً بدمائه, وعلى أثرها بقي معاقاً
بيد واحدة طيلة حياته.
هذا كان الجانب الجهادي لهذه المجاهدة البطلة ثريا أحمد اشتي مع
المستعمر الفرنسي, أما الجانب الاجتماعي والإنساني تجلّى عند غزو
الجبل من قبل الطاغية (أديب
الشيشكلي) عام (1953–1954م)
حيث سقط العديد من القتلى والجرحى في مدينة السويداء, وكانت السلطة
آنذاك قد أعطت المواطنين فترة للسماح بالتجوُل بضع ساعات من أجل لملمة
القتلى ودفنهم. وصل الخبر للمجاهدة ثريا عن استشهاد أحد معارفها واسمه
(إبراهيم جمول)
فهرعت لاستطلاع الخبر فوجدت عياله منتظرين من يساعدهم لإتمام عملية
الدفن وما من مجيب, عندها بدأت المجاهدة بحفر مدفن بحديقة منزل الشهيد
وأتممت عملية الدفن, ثم غادرت إلى منزلها بضغط من السلطات
آنذاك، أثناء طريق عودتها شاهدت رجلين يحملان شهيد على سلم خشبي
وخلفهما رجلين آخرين يحملان شهيداً آخر على بساط من الصوف وينادون
وينخون النشامى وأصحاب المروّة على إسعافهم لنقل الشهداء, فما كان من
المجاهدة البطلة أن اقتربت من الشهيد المحمول على البساط وأخذت طرف
البساط من حامله وأصبح الرجلان يتناوبان بحمل الطرف الآخر حتى وصلا إلى
مكان الدفن غرب مدينة السويداء, وعند البدء بعملية الدفن كانت قوة
الرجال قد خارت بسبب التعب والحزن فما كان من المجاهدة البطلة ثريا أن
أكملت عملية دفن الشهيدين بيديها وهؤلاء الشهيدين هما
(حسين سرايا – حسن سرايا)
فكان لها أعظم التقدير والاحترام بين معارفها وجيرانها عندما شاع خبر
عملها البطولي هذا.
وأتمت حياتها مع زوجها المجاهد حمد يوسف اشتي معينة له يدها بيده
وأنجبت منه ثلاثة أبناء وبنت واحدة حتى وافتها المنية في 28 أيار 1972م
عن عمر قارب السبعين عام.
توثيق عن الأستاذ :
عابد حمد أشتي/ السويداء
**********************************
المجاهد
علي حمزة جربوع (شهيد المسيفرة)
لم يكن علي حمزة جربوع قد بلغ العشرين من عمره عندما قام سلطان
الأطرش بثورته الأولى ضد الفرنسيين عام 1922 ،ولهذا الشاب قصة مع
القائد العام قبل أن يكون أحد الثوار الذين رووا بدمائهم تراب الوطن.
كان شابا شجاعا ،مندفعا لا يخشى ظلمة الليل ولا وحشة النهار في حقول
السويداء البعيدة وهو يحرث الأرض ويزرعها بساعديه القويتين.وحصل ذات
مرة أن اختلف مع أقاربه فتحداهم وجمع عدة الحراثة الخاصة بهم ولاذ بها
في (وعرة) المجيدل ،وهي خربة بين السويداء وكوم الحصى؛موقع رهيب يخشاه
المار به نهارا ،فكيف حاله في الليل؟! لم يجرؤ أحد على الاقتراب من
عرين ذلك الشاب ،فتعطلت أعمال أقاربه وكادوا يخسرون الموسم ،فاستنجدوا
بعطوفة سلطان باشا الأطرش الذي استغرب شجاعة هذا الشاب اليافع ،فأعجب
به أيما إعجاب. لبى عليٌّ طلب سلطان ،ثم أصبح أحد جنوده في ساحات
القتال.
في الثالث من آب عام 1925 كان عليٌ بين ثوار بيرق السويداء الذين هبوا
فجر ذلك اليوم نحو عين المزرعة وسحقوا مع ثوار الجبل حملة الجنرال ميشو
وسطروا نصرا قل مثيله في الحروب الحديثة.
ذاقت فرنسا الذل في المزرعة فاستبدلت بميشو جنرالا آخر يقود جيوشها في
سوريا. توجه الجنرال غاملان بحملة نحو السويداء ،وخيم في بلدة المسيفرة
في سهل حوران. اندفع ثوار الجبل بحماسة ونشوة النصر في المزرعة نحو
المسيفرة ، فتغلبت العاطفة على العقل وخاض الثوار معركة خاسرة . لم تكن
الخسارة باستشهاد من استشهد وحسب ، بل كان لغطرسة العدو وجبنه ونذالته
دور آخر في حجم المصيبة عندما أقدم على قتل الجرحى والأسرى بعد تلك
المعركة الرهيبة. أصيب علي في المعركة ،فكان بين الجرحى تعيسي الحظ .
وصل خبر إلى أهله بإصابته ،وأخبرهم البعض أنه نقل إلى درعا للعلاج ،لكن
من يستطيع من الرجال اختراق صفوف العدو والوصول إلى هناك ؟؟ هبت جدته
السيدة صالحة جربوع إلى رؤية حفيدها (ما أغلى من الولد غير ولد الولد)
. وصلت إلى درعا فقيل لها أنهم بتروا رجله ولم يكن بقربه أحد من معارفه
فقضى نحبه . لم تتحمل الجدة وقع الصدمة فشُلَّت رجلاها وعادت زحفا
قاطعة سهولا ووديان، ليلا ونهارا ،وهي تندب حفيدها الغالي حتى وصلت
السويداء . عاشت بعد ذلك ثلاثين عاما لم تنس فيها يوما واحدا ذِكْر
حفيدها علي.
(مخيم الفرنسيين في المسيفرة أيلول 1925)
لا أحد يعلم بالضبط كيف مات علي وكيف دفن وأين، فما فعله الفرنسيون بعد
تلك المعركة سيبقى وصمة عار لا تبررها حجج وأسباب. جاء في مذكرات
القائد العام سلطان باشا الأطرش :
”… تراجعنا عن المسيفرة،
دون أن نتمكن من دفن موتانا، وإنقاذ البعض من رجالنا. وقد أجهز
الفرنسيون على هؤلاء وأحرقت جثثهم مع جثث القتلى الآخرين …”
كما جاء في كتاب سلامة عبيد (الثورة السورية الكبرى على ضوء وثائق لم
تنشر) ” لم يستطع الثوار نقل القتلى، كما أنهم لم يستطيعوا نقل
الأكثرية الساحقة من جرحاهم الذين أجهز عليهم العدو وأحرقهم مع القتلى
…”
كان عليٌ واحداً من هؤلاء الأبطال قتيلا كان أم جريحا أم أسيرا،
فجميعهم أصبحوا شهداء بعد أن أجهز عليهم العدو وأحرق جثثهم. لكن ما هو
أكثر مأساوية من كل ما حدث لهذا الشاب هو محو ذكره من سجل الخالدين
،
فلم يذكر عليٌ في أي سجل لشهداء الثورة ولا أي مرجع آخر، حتى في (ملحق)
سلامة عبيد في كتابه ( الثورة السورية الكبرى على ضوء وثائق لم تنشر )
الذي جاء على ذكر بعض من أفراد عائلته .
ومع الأيام، طوى النسيان ذكر هذا الشاب فلم يعد يذكره أحد سوى
المقربين جدا منه والذين لا زالت في ذاكرتهم أحداث تلك المأساة التي
مات ذكرها بعد موت الجدة الثكلى التي عاشت عمرها ترويها للكبار
والصغار.
لا اعتقد أن علياً وحده من نسيته كتب التاريخ ،فهناك العشرات بل ربما
المئات، وقد كانت أغلب تلك الكتب نسخاً عن سابقاتها، دون تدقيق أو
توثيق ميداني يحتاج إلى بذل جهد كبير لتقديم الجديد والدقيق وما يستحق
أن يقول فيه القارئ : “ها أنذا أكتشف شيئا جديدا”.
لنبحث عن هؤلاء المنسيين ولنُعد لهم حقوقهم، فنكون قد قدمنا لهم جزءا
مما يستحقون .
**********************************
المجاهد
والسياسي الكبير شكري محمود القوتلي

(شكري بن محمود بن عبد الغني القوتلي) من مواليد دمشق في 21
تشرين الأول 1891م درس بالمدرسة الملكية في الآستانة،
بعد عودته إلى دمشق دخل في جمعية (العربية الفتاة) السرية،
وبسبب تنديده لنظام الانتداب ولما احتل الفرنسيون سوريا سنة
1920م حكموا عليه غيابيا، إلى أن اندلعت نيران الثورة السورية
الكبرى فكان من أركان العاملين فيها سياسياً بعيدا عن ميدانها،
كان عضوا في المنتدى الأدبي، وهو أحد المنادين بالتحرر في
العالم العربي، وأحد قادة حركة المقاومة ضد الاستعمار الأجنبي
في العالم العربي.
استقر شكري القوتلي في دمشق عام 1930م تألف مجلس النواب
السوري سنة 1934م فكان من أعضائه، تولى وزارة المالية، واستقال
مكتفيا بالنيابة وانتخب نائبا لرئيس مجلس النواب في العام
نفسه، تولى رئاسة الجمهورية العربية السورية مرتين الأولى من
1943 - 1949م، حيث قام بانقلاب عليه حسني الزعيم فأكره على
الاستقالة، وغادر سورية إلى الإسكندرية، ثم عاد إلى دمشق
لينتخب رئيسا للجمهورية السورية للمرة الثانية فحكم بين عامي
1955- 1958م.
يُعد واحدا من أبرز دعاة الوحدة العربية في العصر الحديث، وهو
الرئيس العربي الوحيد الذي تنازل عن الحكم طواعية وبملء إرادته
لرئيس آخر وذلك عام 1958م حيث اتفق القوتلي مع الزعيم جمال عبد
الناصر رئيس جمهورية مصر العربية على توحيد القطرين سورية ومصر
وتسميتهما الجمهورية العربية المتحدة، التي أعلنت في شباط
1958م بعد استفتاء شعبي، وانتهت الوحدة إلى الانفصال في أيلول
عام 1961م ، ويعد تنازل القوتلي من أهم إنجازاته القومية كرئيس
عرف بأمانته واستقامته، سمي (المواطن العربي الأول) في زمن
الوحدة تكريماً له، توفي بتاريخ 30 حزيران 1967م.
**********************************
المجاهد
حسون راشد

الشيخ أبو حمد حسون راشد ولد في (قلعة جندل) عام 1917م لأب فلاح يتعامل
مع الأرض بحب وهو رجل دين استطاع أن يعلم ابنه القراءة والكتابة رغم إن
الاحتلال الفرنسي لم يترك لهم فرصة التعلم أو راحة البال، له أسرة
مؤلفة من خمس شباب وسبع بنات ويعد من كبار الشخصيات التي تحظى بالحضور
الاجتماعي .
جاء المستعمر الفرنسي بحملته العسكرية التي تجاوزت 600 عسكري وقاد
الشباب إلى سجنه واستشهد العديد منهم تحت التعذيب، فدفع هذا الأمر بأهل
القرية شبابها وشيابها وبأسلحة يدوية للهجوم على مراكز الفرنسيين
ليأسروا عدد منهم
ويقتلوا الكثير، بعدها أرسل المستعمر حملة مجهزة بعتاد أحدث مما سبق،
فأطلق مجموعة من الشباب شعار(يا غيرة
الدين) للحفاظ على الأرض والعرض، لتكون المعركة الكبرى والتي استمرت
ثلاثة أيام متواصلة انتهت عند الساعة
الثامنة مساءً، وبعد انكسار الجيش الفرنسي، أعدوا حملة كبيرة وحاصروا
القرية بالدبابات والمدافع لإبادة سكانها، ومن أجل إعلام المناطق
المجاورة عمد الشباب على الغناء والأهازيج التي تتضمن النخوة مع إشعال
النيران ليلاً وهذا دليل
على طلب المساعدة، حتى دب الرعب في صفوف الفرنسيين، فانسحبوا مدحورين،
في المعركة التي استشهد فيها 71 مجاهد و3 نساء كنّ وراء الثوار، فقد
كانت لهن دور هام حينما كانت تزغرد لبث الشعور والحماس الوطني، إضافة
لتقديمهم الخبز والماء وقيامهم بمعالجة الجرحى.
وبعد مرور أعوام كثيرة شاهد أبو حمد حسون بالصدفة احد المغاربة في دمشق
وعرفه بأنه من قلعة جندل فقال المغربي: «هذه القلعة السوداء فقال له :
لماذا؟.....أجاب: لأنها طحنت الجيش الفرنسي» إذ كان واحداً من الجنود
الفرنسيين المشاركين آنذاك بمعركة قلعة جندل.
لم يكتف الشيخ حسون راشد بالمشاركة بشبابه ضد الفرنسيين بل بحرب
الاستنزاف عام 1973م حيث كان مختاراً ما
يزيد على 17 سنة للقرية وطريق جبل الشيخ يمر من قريته بحكم طبيعة
المنطقة، قصف العدو الإسرائيلي ما يزيد على 500 قذيفة أوقعت الأهالي في
ضيقة كبيرة فقرروا النزوح إلى دمشق، وبلحظة حاسمة من القرار وقف
المجاهد حسون
في ساحة القرية والناس مستعدين للرحيل وصاح بهم: «حرام وغضب الله علي بيترك بيته وأرضه، وبيكون محرم اجتماعياً وإنسانياً وأخلاقياً ووطنياً،
يا جماعة العمر محتوم والرزق مقسوم والمقدر مكتوب وما منه مهروب وهذه
أرضنا وارض أجدادنا منموت فيها ولا منتركها» عندها قامت النخوات
العربية والهتاف وعاد الكل إلى منزله لينقلوا الأسلحة والذخيرة والجرحى
من قمم جبل الشيخ على ظهر البغال في جوٍ عاصف بالثلج.
وفي إحدى العواصف الثلجية التي غطت القمم أدى قوتها سقوط الخيم على
الجيش، هب الأهالي لنجدة الجنود العرب كالمغاربة، وقاموا باستضافتهم في
منازلهم لأن الشعور الوطني والقومي ملتهباً في النفوس والعروق ولا يمكن
لأي
عربي يحمل الدم العربي السوري أن يرى أخيه في مأزق ويقف مكتوف الأيدي
هي لحظات عزة وكرامة لا تنساها الذاكرة.
**********************************
المجاهد
خطار أبو هرموش أبو فرحات

تولى الضابط الشهيد (خطار أبو هرموش) قيادة الثوار في معركة الفالوج
فأجهز الثوار خلالها على نحو مئة وثمانين ضابطاً وجندياً فرنسياً ، لبى
الضابط الشهيد خطار أبو هرموش أبو فرحات نداء شريف مكة (الحسين بن علي)
في 10 حزيران عام 1916م من مكة المكرمة لقيادة50 ألف متطوع...
وتمكن مع رفاقه الضباط والمتطوعين العرب بقيادة الأمير فيصل من تحرير
(مكة المكرمة وجدة والطائف) وعندما عين شريف مكة الحسين بن علي ملكاً
على العرب وأصبحت العقبة مركزاً للتجمع والتدريب في جيش الثورة العربية
الكبرى ومقراً للقيادة ساهم مع رفاقه في انتصار القوات العربية في
معركة وادي موسى شمال العقبة وفي معركة الطفيلة وفي
تحرير (معان وعمان ودرعا) حيث انتصر جيش الثورة العربية على الاستعمار
العثماني التركي وكان مع رفاقه من الضباط الوطنيين على اتصال مع ثوار
جبل العرب حيث تم في عام 1917م رفع علم الثورة العربية في بلدة
"القريا" ودخل دمشق فاتحاً حيث ساهم في رفع العلم العربي في سمائها إلى
جانب المجاهد سلطان باشا الأطرش والثوار من أبناء جبل العرب، وعندما
اندلعت معارك الثورة السورية الكبرى كان الضابط خطار أبو هرموش أبو
فرحات يشارك في
وضع الخطط الحربية لمعارك الثورة ويدرب الثوار وأقاربه على القتال
والرمي حتى أتقنوا القتال وقد استشهد في معارك الثورة مع الأشقاء:
(سامي أبو هرموش و"شريف أبو هرموش) ورافقه من المجاهدين (حسين أبو
هرموش ويوسف أبو هرموش ومحمد أبو هرموش).
وقد جاء في مذكرات قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش ص95:
« تطوع بجيش الثورة عدد كبير من الضباط منهم الضابط خطار أبو هرموش،
على أن يرابط مع قسم آخر من الثوار في قضاء (راشيا)، ويتولى قيادة
فصائلهم، وفي منتصف من شهر شباط عام 1925م عقدت قيادة الحملة اجتماعاً
وقررت مهاجمة قرية (شويا) فبدأ الهجوم ليلاً بقصد احتلال مواقع مدفعية
ومعاقل الرشاشات التي أقامها الفرنسيون غير أن المقاومة العنيفة التي
أبداها العدو والبرد القارص الذي تعرض له الثوار اضطرهم إلى الانسحاب
في صباح اليوم التالي والعودة إلى قرية (ميماس)، وفي معركة الفالوج
كان أحد قادتها الشيخ الضابط خطار أبو هرموش حيث كانوا يرابطون في بعض
القرى الواقعة إلى الشمال
الشرقي من راشيا فمرت كوكبة من المتطوعين في الجيش الفرنسي ذاهبة إلى
الشمال فتبعها الثوار حتى مخفر الفالوج
حيث وجدوا قافلة عسكرية تنقل الميرا والعتاد الحربي إلى قلعة راشيا
يرافقها نحو ثلاثمائة من الخيالة ومشاة السنغال وقد توقفت هناك بسبب
الثلوج وما إن وصلت طلائع الثوار حتى أخذ الجنود أهبتهم للقتال ولم
تلبث المعركة أن نشبت بسرعة على أثر هجوم قام به الثوار استشهد منهم
نحو عشرين مجاهداً دفعة واحدة وسقط عدد كبير من الجرحى واستمرت المعركة
دائرة على أشدها أكثر من ساعتين أجهز الثوار خلالها على نحو مئة
وثمانين ضابطاً وجندياً ورفعوا السيف عن البقية الباقية بعد استسلامهم
وعادوا إلى مركزهم وهم يحملون الأسلحة والذخيرة التي غنموها ويسوقون
أمامهم الخيول والبغال التي كسبوها».
ويتابع المجاهد "سلطان باشا الأطرش" في مذكرات حول معركة قطنا:
«على أثر معركة الفالوج اجتمع المجاهدون
وكان عددهم يقارب الألف وقد تقرر مهاجمة قطنا وإجلاء الفرنسيين عنها
بسبب موقعها الهام عند ممرات جبل الشيخ فتوجه الثوار نحوها وعلى رأسهم
القادة المذكورون واستمرت المعركة دائرة بعنف وضراوة حتى خيم الظلام
على المحاربين وقد شارك في الدفاع عنها سلاح الطيران والمدفعية
والآليات المدرعة ومع ذلك اقتحم الثوار خطوطهم الدفاعية وتغلغلوا فيها
وقتل المجاهدون نحو ثلاثين جندياً فرنسياً دفعة واحدة أما خسائر الثوار
في هذه المعركة فكانت نحو أربعين شهيداً بينهم البطل المغوار الشيخ
الضابط خطار أبو هرموش الذي خسرنا باستشهاده رفيقاً مناضلاً منذ الثورة
العربية الكبرى 1916م ورجلاً مقداماً من رجال الثورة السورية الكبرى».

**********************************
المجاهد
سعيد العاص

ولد في حماه وتلقى دراسته الابتدائية فيها، ثم دخل المدرسة الرشدية
والإعدادية العسكرية بدمشق، ثم انتسب إلى الكلية الحربية في استانبول
التي تخرج منها برتبة ملازم سنة 1907م، وخدم بالقطع العثمانية بين 1907
- 1910م وحارب في الجبهة البلقانية عام 1911م، اشترك في الحرب العالمية
الأولى وانتسب للحركة العربية الأولى.
خدم في الجيش الفيصلي وبعد معركة ميسلون لجأ إلى الأردن وخدم هناك حتى
نشوب الثورة السورية الكبرى والتي اشترك فيها بمعارك القلمون وعكار
والغوطة وجبل العرب، بعد انتهاء الثورة لجأ إلى الأردن ومنها إلى
فلسطين ليقود حركات المقاومة العربية ضد الاستعمار البريطاني اليهودي
لفلسطين، وفي معركة (الخضر) التي دارت في صباح 6 تشرين الأول 1936م
حوصر من قبل قوة بريطانيا ضخمة واستبسل بالدفاع حتى استشهد، ولما وصل
النبأ لمدينة حماه أعلنت الحداد عليه عاماً كاملاً وأقيمت له عدة
احتفالات تأبينية إشادة ببطولته الرائعة.
كفاح الشعب العربي السوري - الرائد إحسان
هندي - ص 102

**********************************
المجاهد
الشهيد احمد مَريود

ولد الشهيد أحمد بن حيدر مريود في قرية جباتا الخشب عام 1886م، وينتمي
إلى قبيلة (المهادوة) التي كانت تقبض على إمارة وزعامة البلقاء في
الأردن... وتعود جذورها التاريخية إلى قبيلة (السلالمة) العربية
الأصيلة، تلقى دروسه الابتدائية في القنيطرة وأتم تعليمه الإعدادي
والثانوي في مدينة دمشق في مكتب عنبر، لعب دورا مهما في النشاط السياسي
ضد الاحتلال التركي عبر الجمعية العربية الفتاة وجمعية العهد، فكان من
الرجال الأحرار الذين سيقوا إلى لبنان الذين حكم عليهم بالإعدام من قبل
جمال باشا السفاح في عاليه لكنه عفي عنه، ومن المعروف عن الشهيد احمد
مريود حبه للعمل الصحفي حيث أسس جريدة الجولان الأسبوعية.
بعد دخول الجيش العربي بقيادة الملك فيصل إلى دمشق انضم تحت لوائها، ثم
قاد ثورة شملت أجزاء من سورية والأردن وجبل عامل في لبنان امتدت من
العام 1919وحتى العام 1920م، خاض الثوار معارك كثيرة منها: معركة
المطلة ومرجعيون والنبطية والحماري والقليعة وابل السقي والخصاص الأولى
والثانية.
شارك الى جانب الثوار في معركة ميسلون، كما شارك في الهجوم على موكب
الجنرال هنري غورو بالقرب من القنيطرة حيث أصيب غورو، فحكم عليه
الفرنسيون بالإعدام، الأمر الذي اضطر المجاهد أحمد مريود إلى اللجوء
إلى الأردن مع بعض الثوار وكانت نقطة الانطلاق بلدة كفر سوم، حيث عملت
السلطات البريطانيا على ملاحقته فلجأ إلى الحجاز ومن الحجاز غادرها إلى
العراق ومن بلدة خانقين بدأ المناضل مريود نشاطه السياسي والإعلامي،
وعندما اندلعت الثورة السورية الكبرى عاد إلى الأردن، وكانت (الرويشد)
المحطة الأولى حيث التقى بالشيخ (حديثه الخريشه) الذي زوده بالرجال
والفرسان الذين اشتركوا في معركة (جباتا الخشب) اتسمت تحركات أحمد
مريود في هذه الفترة بالسرية فتوجه
من الحدود الأردنية من واحة الأزرق
إلى القريا في جبل العرب،
حيث يقيم المجاهد سلطان باشا الأطرش وأركان ثورته واتفق مع سلطان
الأطرش وعادل ارسلان والدكتور عبد الرحمن الشهبندر على تفعيل الثورة
وتجديد شبابها في إقليم الجولان، انتقل بعدها إلى دمشق واجتمع مع زعماء
حي باب سريجة والغوطة، فتمكن خلال رحلته تلك من جمع ما يزيد على 1200
مجاهد انتقلوا معه إلى جباتا الخشب على دفعات ليصل عدد المجاهدين إلى
4780 مجاهدا قبيل معركة جباتا الخشب، في هذه الأثناء خشيت فرنسا من
ازدياد قوة أحمد مريود فدعاه المستشار الفرنسي في القنيطرة إلى لقاء
خاص غير أن احمد مريود لم ينخدع بدعوة المستشار فرد دعوته قائلا: «إن
احمد مريود ليس من صنف الرجال الذين يقومون بعقد لقاءات سرية وخاصة،
فلا تفاوض ولا لقاء إلا بعد أن تعلن فرنسا قرارها بمنح الاستقلال
والجلاء عن ارض الوطن»
وعلى اثر ذلك شنّت القوات الفرنسية هجوما كبيرا على قرية جباتا الخشب
تساندها الطائرات واستمرت المعركة من ساعات الصباح حتى بعد العصر
استشهد فيها احمد مريود وشقيقه ونقل الفرنسيون جثمانه إلى دمشق وعرضوه
في ساحة المرجة للتشفي ولكن أهالي دمشق اغرقوا الجثمان بالورود ثم
أخذوه بالقوة ودفنوه في حي (عاتكة) وعندما سمع الشاعر الكبير أبو سلمى
خبر استشهاده قال:
سليمى تعالي اندبي أحمدا.............. فها قد طوته أيادي الردى.
استشهد احمد مريود عن عمر يناهز الأربعين عاما وتقديرا لأعماله
البطولية سمي احد شوارع دمشق باسمه إضافة إلى إطلاق اسمه على ثانوية
جباتا الخشب، وأقيم له نصب تذكاري يتوسط الشارع الرئيسي في بلدة جباتا
الخشب، لقد كان
لهذه الشخصية الوطنية الجهادية الدور الكبير في العمل السياسي والنضالي
الذي حفلت به سورية.

|