المقاومة
الوطنية ضد الفرنسيين قبل الثورة
ثورات المنطقة الساحلية
قادها المجاهد المرحوم الشيخ (صالح العلي)
بين عامي 1919و1921م، وقد كان سديد الرأي، أحسن مبادئ التمويه
والاستخدام الجيد للأرض وعقب كل معركة كان يدرس إيجابياتها
وسلبياتها، وبيده تعيين رؤساء الجبهات وعزلهم، وكان للشيخ عدد
من الضباط أرسلهم الملك فيصل كمستشارين، وقد قسم الثوار إلى
كتائب وكل كتيبة إلى وحدات أصغر، وكانت الثورة منظمة فمركزها
قرية (الشيخ بدر) إحدى مناطق طرطوس، وكان لها محكمة ثورية لحل
الخلافات والقيام بالتفتيش، أما تمويلها فكانت من ثروة الشيخ
صالح نفسه ومعونات الملك فيصل والحكومة العربية في دمشق وغنائم
المجاهدين من جيش العدو والتبرعات من الأغنياء والمغتربين في
المهجر. كفاح الشعب العربي السوري -
الرائد إحسان هندي - ص 55 و56

بعد نزول القوات الفرنسية على الساحل السوري
قاموا بأعمال العنف، ورفعوا العلم الفرنسي بدل العلم العربي،
فوجه
الشيخ صالح العلي في 25كانون الأول 1918م بدعوة زعماء قرى
العلويين للاجتماع في قريته لمناقشة أمر الفرنسيين الذين ينوون
تحويل سورية إلى مستعمرة، فأقروا مكاتبة الأمير فيصل يستشيرونه
حول قيام ثورة بقيادة الشيخ صالح
العلي، وقد علم الفرنسيون بأمر الاجتماع فطلبوا من الشيخ صالح
مقابلة قائد حامية بانياس لكنه رفض فجردوا حملة ضده كمن لها
الشيخ في موقع (النيحا) غربي وادي العيون، هزم فيها الفرنسيين،
بعد قتل خمسة وثلاثين منهم وكسب الثوار أسلحة وذخائر، مما جعل
فرنسا ترسل حملة ثانية في 2شباط 1919م باءت بالفشل أيضاً.
وفي 16نيسان 1919م
انتقل ثقل الثورة من منطقة بانياس وطرطوس إلى جبال العلويين،
إثر إعدام الفرنسيين أحد أبناء جبل صهيون دون ذنب، فهاجم
الأهالي الحامية الفرنسية في ثكنة (بابنا) لمدة أسبوع، فخسر
الفرنسيين خمسة عشرة
جندياً وضابطين بينما استشهد عشرين من أهالي بابنا، وحرق وهدم
بعض البيوت على أصحابها فوصل عدد المحروقين مابين 60 إلى 70
شهيداً وجلاء الأهالي إلى جسر الشغور، ثم حدثت معارك قرية
(سلمى) وقرية (ترتاح)، أجبرت
فرنسا على اتباع سياسة اللين فطلبوا من الجنرال (اللنبي)
الإنكليزي التوسط لدى الشيخ صالح العلي فعقد مؤتمر
عربي - فرنسي - إنكليزي، فتوصلوا إلى قرار السماح للقوات
الفرنسية بالتوقف في قرية الشيخ بدر للتزود بالمؤن لمدة ساعة
تتابع طريقها بعد ذلك إلى طرطوس وتم عقد هنة بين الجانبين، إلا
إن فرنسا كعادتها نقضت الهدنة فألقت على عدد من آل عدرة وآل
محمود كما أنشأت تحصينا حول قرية الشيخ بدر، فأنقض الثوار من
أعالي الجبال على الفرنسيين كالكواسر وهزموهم، ثم أرسل السيد
(عبد القادر المحمود) إلى دمشق فحصل من فيصل على 300 بندقية
و100 شوال طحين و1000ليرة عثمانية ذهباً، مما سمح للثوار بخوض
أعظم المعارك التي خاضوها ضد الفرنسيين وهي معركة (وادي ورور)
التي جرت في حزيران من عام 1919م حيث استدرج الشيخ صالح العلي
حملة فرنسية مكونة من ألفي جندي بقيادة الكولونيل (جان) إلى
الوادي، فتم جرح وقتل ما يقارب 800 من الفرنسيين مقابل عشرات
الشهداء، وفي 21/7/1919م هاجم عدد من الثوار قلعة المرقب
وانتصروا على سريتين بقيادة الكولونيل جان فلجأت فرنسا للتفاهم
مع الشيخ صالح العلي الذي قبل بشروط:
1- الموافقة على إلحاق الساحل السوري بالدولة السورية وجلاء
الفرنسيين عنه.
2- إطلاق سراح الأسرى.
3- دفع تعويضات إلى السكان عن الأضرار التي ألحقها الجيش الفرنسي
بقراهم.
تظاهرت فرنسا بالقبول استعداداً لتوجيه ضربة قاسمة للثورة وذلك
عندما دمرت حامية القدموس قرية (كاف الجاع) على أصحابها،
فأنتقم الثوار بمهاجمة الحامية من قبل ثلاث كتائب للثوار تولاها (سليم صالح - اسبر زغيبي - عزيز بربر)
وتم مهاجمة ثكنات الفرنسيين حول طرطوس، لكن بسبب وصول
الإمدادات من البحر أدى لتراجع الثوار، وفي 3آذار 1920م حرر
الثوار قرية القدموس فأتى الفرنسيون بعدة كتائب افريقية وهندية
من بيروت فتم اعتقال الكثير من الوطنيين ونفيهم خارج البلاد،
وبالمقابل وسع الشيخ صالح نطاق الثورة إلى حماه عندما شكل
(الفوج الملي)
المؤلف من 500 رجل من مختلف المناطق السورية بقيادة
(عزيز هارون) كما تم تشكيل سرية الفدائيين والتي تعد حوالي 150
رجلاً بقيادة السيد (جميل ماميش) الذي أرسله الملك فيصل للعمل
مع الثوار فكان له دور بارز في أحداثها، وقد شهد عام 1920م عدة
معارك ضد الفرنسيين أهمها في منطقة (السوده) حيث قدم الثوار
عدد من الشهداء، وتم إحراز نصر للثوار في شهر تموز في منطقتي
المرقب وبانياس، واستمرت الثورة عاماً كاملاً بعد دخول
الفرنسين إلى دمشق والقضاء على الحكم العربي، حيث تعاونت مع
ثورة إبراهيم هنانوا في جبل الزاوية، وتم صد هجوم فرنسي في
قرية (دكشة) من قبل خمسة أشخاص بشكل أسطوري وهم (العقيد سليم
صالح والمجاهدون:أحمد الحسن - سليم شاويش - عبود وسوف - علي
سليم) عندما تمركزوا في نقطة تسيطر
على مكان انتشار السرية الفرنسية.
أتبع الشيخ صالح
هذا الانتصار بانتصارات أخرى على جيوش الأعداء في معركة (فتوح)
أوائل تشرين الثاني من عام 1920م، ثم تحرير (دريكيش) وحصار
(مصياف) في كانون الأول من نفس العام، وأخيراً في معركتي (تل
صارم) و(عين قضيب) في أواخرعام 1920م ، وفي 23 كانون الثاني 1921م
تصدى عشرة من المجاهدين عند قرية (الدويلية) لكتيبة فرنسية
كانت في طريقها من مصياف إلى بانياس فسقط من الفرنسيين ستة
قتلى وعدد من الجرحى واستشهد أحد المجاهدين وجرح آخر، وفي
اليوم التالي لمعركة الدويلية حصلت معركة (الدميس) التي أبدى
فيها المجاهدون شجاعة منقطعة النظير في فك الحصار عن إخوان لهم
حاصرهم الفرنسيون في (قلع الدربكية) وتمكنوا من رفع الحصار
عنهم بعد استشهاد سبعة وقتلوا عدد من الفرنسيين، في أواخر شهر
كانون الثاني 1921م حصلت معارك (البودى) التي استبسل بها
المجاهدون أصدق استبسال ضد الفرنسيين التي بلغت عدة كتائب حتى
تمكنوا من دحر هذه القوات بعد سقوط عدد من الشهداء الأبرار
وعلى رأسهم (محمد أسعد دوبا) والثاني (حسن سليمان يوسف) من
قرية البودى، وصالح عمران يوسف من قرية العرقوب، ورغم هذه
الانتصارات في بداية 1921م فإن الثورة بدأت بالانهيار، لأن عدد
الوطنيين في تناقص مستمر والضباط والموظفون الحكوميون الذين
انتدبهم فيصل للعمل مع الثورة قد بدؤوا بالانفكاك عنها كما إن
إمدادات الثورة أوشكت على النفاذ رغم دعم إبراهيم هنانو لهم.
كفاح الشعب العربي السوري - الرائد
إحسان هندي ص 64
ثورات المنطقة الشمالية
بدأت الثورة في هذه المنطقة على
شكل أعمال مسلحة متفرقة على يد السيد (صبحي بركات) وشقيقه
(ثريا بركات بك)
وابن خالته (عاصم بركات بك) وقريب آخر له هو (حقي داده بك) وهم
يتقربون من التراك بصلة الدم، واهم معاركهم
هي السويدية التي جرت في أيار 1919م، ومحاصرة مخفر الحمام في
22كانون الثاني 1920م بقيادة ثريا بك لأربع
أيام حتى سقط بيده وقتل عناصره من الفرنسيين وعلى رأسهم قائده
(دي لونلاي) فجرد الفرنسيون حملة بقيادة (دروهيل) لاسترجاع
المخفر حيث تم بعد سقوط خمسون شهيداً، وتوقف جهاد آل بركات بعد
توقيع تركيا هدنة مع فرنسا في 30
آذار 1920م وكأنهم كانوا يجاهدون لصالح تركيا وليس لصالح
سورية. كفاح الشعب العربي السوري -
الرائد إحسان هندي - ص 69
لكن الثوار العرب الأقحاح انتظموا تحت إمرة المجاهد الشيخ
(يوسف السعدون) لمتابعة النضال ضد الفرنسيين، وقد أراد والي
حلب السيد (رشيد طليع) بإيعاز من فيصل أن يوسع رقعة الثورة
فأستدعى رئيس ديوانه (إبراهيم هنانو) فكان رأيه بضرورة إتباع
حرب العصابات في مناطق الفرنسيين، ولذلك استقدم سبعة من قريته
(كفر تخاريم) ليشكل منهم أول خلية جهادية، وحض الأهالي على
الثورة فوصل العدد لأربعمائة مجاهد، وعين الملازم إبراهيم
الشغوري وسيط بين الثورة وحلب، وكانت أول معاركها في (حارم)
حيث قتل 32 من الفرنسيين، وفر الباقي بقيادة الكابتن (ليروا)
إلى القلعة
الرومانية قرب القصبة، وبعد دخول الفرنسيين حلب أنسحب إبراهيم
هنانو إلى قريته كفر تخاريم، فبعثت فرنسا حملة للقبض على
الثوار فيها، وبدأ هنانو يجبي ضرائب العشر والمواشي لشراء
السلاح، ولإشعال الثورة دعا لعقد اجتماع تم
في منزل قائم مقام ادلب المرحوم (عمر زكي الأفيوني) وحضره قائد
الدرك (هاشم بك جمال) وممثلين عن كل المناطق، وقرروا بأن يبدأ
كل مندوب بالدعوة للثورة للدفاع عن شرف الوطن كما وتقرر سفر
إبراهيم هنانو إلى تركيا وطلب مساعدتها، فتمت الزيارة في آب
1920م، ومعه شقيقه (عقيل) والملازم إبراهيم الشغوري و(نجيب
عويد) و(عقيل السقاطي) و(هزاع أيوب) فعقد مع الأتراك اتفاق 6
أيلول 1920م حيث حصل على مدفع وخمسة رشاشات وعشرين صندوقاً من
الذخيرة وعدد من القنابل اليدوية، وقد قاد العمليات الثورية
بمساعدة خيرة رجاله أمثال(الشيخ يوسف السعدون والسيد نجيب عويد
والسيد مصطفى الحاج حسين والسيد عمر البيطار) وقد بدأت الثورة
بإعلان إبراهيم هنانو بيان الثورة في أيلول 1920م هذا نصه:
من العرب إلى العرب
ما بالكم ترضخون صاغرين لحكم المستعمر الجائر وأنتم خير أمة
خلقت لأن تحكم بالعدل ولا تحكم بالظلم يتسلط عليكم الفرنسي
بنقض عهد وخيانة سودت وجه التاريخ ولا سيما تاريخ فرنسا الذي
يدعون مجده وهو يقول لكم انه جاء منتدباً لحفظ بلادكم وصيانة
استقلالكم وما ذلك إلا افك مبين.
بعدما حاربتم معه كتف بكتف في سبيل استقلالكم خانكم وهزأ بدماء
شهداءكم وما كانت جريمتكم إلا إنكم من أبناء الشرق المسلمين،
أبناء الشرق أحط من البهائم في شارع المستعمر الفرنسي يقتلون
ويقتلون لتقام فوق أجسادكم عروش السفاهة
في منتزهات الشانزيليزيه في باريس وأنتم غافلون.
استولى على بلادكم، أجلى ملككم، أقفل مؤتمركم، بدد جندكم،
اعتقل وجهائكم، هتك أعراضكم، احرق قراكم، ثم باللامركزية فرق
شملكم كل هذا وانتم بمواعيده واثقون ولولايته عليكم راضون ومن
يتولهم منكم فانه منهم، أفلا تتذكرون يتخذ الأديان الطاهرة
ستاراً لمطامعه ويقول لإخوانكم المسيحيين إنه جاء لينقذهم من
الظلم في الوقت الذي يسحق به الملايين من النصارى في ألمانيا
وروسيا واوستريا (النمسا) إذ هو لمن اشد الملحدين.
كما وجه بيان لقناصل الدول
الأجنبية جاء فيه:
ياحضرات قناصل الدول المحترمين إننا لا نقصد من قيامنا هذا إلا
حفظ استقلالنا ليمكننا تأسيس موازنة عادلة على أسس الحرية
والمساواة بين جميع الطوائف لهذا أظهرنا رغائبنا السياسية أمام
اللجنة الأمريكانية ونعني بها لجنة مستر كراين الاستفتائية
وصرحنا برفض انتداب فرنسا لما بعهده من تطرفها ومطامعها في
بلادنا ولكن أبى مؤتمر سان ريمو إلا أن يغلبنا على أمرنا
ليجعلنا ضحية المطامع الجائرة خلافاً لمواعيد الحلفاء وقواعد
ولسن الحقة إن هذا القرار الذي جرح عواطفنا نحن السوريين وهزأ
بآمالنا السياسية، قد جعل سورية الجميلة مرتعاً للضحاية
ومهرقاً لدماء الأبرياء تحقيقاً لمطامع الاستعمار .
وفي هذه الساعة التي تموت فيها الألوف في كل أنحاء سورية من
حوران إلى اسكندرون أناشدكم بحق الإنسانية أن تتوسطوا لدى
دولكم الضخمة كي تضع حداً لسفك الدماء الذي سببه عناد المستعمر
إذ لا يمكن المن والسكون في بلادنا ما
لم تغادرها فرنسا التي تسعى بالتفرقة يمكنها التسلط
والاستعباد، هذا وأن لا ننفك ندافع عن أوطاننا حتى الموت فلسنا
المؤولين عما يسفك من الدماء في سبيل غايتنا المشروعة، نحن
السوريون نموت ونتبلشف (أي نصير شيوعيين) ونجعل البلاد رماداً
ولا نخضع لحكم الظالمين .
أيلول 1920 إبراهيم هنانو
كما حدث تنسيق مع الشيخ صالح
العلي في الأعمال الحربية ضد الفرنسيين
فتوجه إبراهيم هنانو لتحرير جسر الشغور، فوصل في ليلة 27 تشرين
الثاني 1920م مزرعة (السيجري) على بعد 3/كم عن جسر الشغور
فحاصرها حتى استسلمت الحامية الفرنسية فيها، فأسر الثوار
ضابطاً و25 جندياً وغنموا مدفعي رشاش وذخيرة وأربعين بغلاً،
بعدها استسلمت حامية جسر الشغور من دون قتال، وإثر هذا
الانتصار أرسلت فرنسا لواء معزز قوامه 2500 جندي لاستعادة
المدينة لأهميتها، فأوعز إبراهيم هنانو إلى المجاهد نجيب عويد
بالتصدي لها قبل أن تصل لجسر الشغور، فتعقبوها إلى ادلب
واندسوا بين الأهالي الذين خرجوا ليشاهدوا الحملة وعندما مرت
الحملة انتفض الثوار وأطلقوا النار بوقت واحد
على مؤخرة الحملة فسقط 63 قتيلاً فرنسياً فوراً، أما المجاهدين
فقد انسحبوا بعد أن تركوا أربعة شهداء في ساحة معركة ادلب التي
جرت في 29 تشرين الثاني 1920م، إلا إن الفرنسيين صمموا على ضرب
الثورة في كفر تخاريم فوصلوها
بعد فقدانهم 40 قتيلاً قرب قرية (تليتا)، اما الثوار فقد
تراجعوا عن كفر تخاريم إلى الجبل الغربي ليعاودوا تحريرها من
جديد أوائل كانون الأول 1920م.
وبعد هذه المعركة سير الفرنسيون حملة بقيادة الكولونيل
(ديبيوفر) انقسمت لرتلين لمحاصرة الثوار في أعالي العاصي
لكنها فشلت بسبب تصدي الشيخ يوسف السعدون ورفاقه للرتل الأول
في معركة (جسر الحديد) وأما الرتل الثاني فقد اصطدم مع الثوار
في 7 كانون الأول 1920م بمعركة (كفر سرجة)، فسير الفرنسيون
حملة جديدة بقيادة الجنرال (غوبو) فيها فرق مشاة معززة، فلذلك
تجنب الثوار مجابهتها في المناطق السهلية ومناوشتها بشكل خاطف
على طول خط سيرها إلى منطقة القصير، فطلب غوبو معونات من حلب،
لكنها لم تصل لأن الثوار استولوا عليها بعد أن كمنوا لها في
منطقة الجبل الوسطاني وقتلوا ضابط تبين إنه أبن غوبو، وفي
3شباط 1921م وصلت حملة غوبو إلى ادلب عن طريق جسر الشغور بعد
معركة قرب قرية (الرامي) ، ثم حدثت معركة (كللي) وبسبب تنكيل
الفرنسيين بالأهالي أدى لنقل الثورة إلى جبل الزاوية على يد
السيد مصطفى الحاج حسين الذي حقق انتصارات عديدة على الفرنسيين
في جبل الأربعين وكبد العدو سبعين قتيلاً وأما الشهداء فبلغوا
حوالي 33 ، وفي 7آذار علم الثوار بتسيير حملة بقيادة الجنرال
(أندريا) من جسر
الشغور إلى (دركوش) فتصدوا لها بقيادة المجاهد يوسف السعدون قرب
قرية (الدويلة) مما أدى لانتصارهم وقتل الجنرال أندريا الذي
نقل جثمانه بطائرة إلى حلب حيث تمت مراسم تأبينه.
كفاح الشعب العربي - الرائد إحسان هندي - ص
78
ثم حدثت أهم معركة قام بها
مجاهدي الزاوية وهي معركة (وادي درعان) قرب قرية سرجة في شهر
نيسان 1921م أسفرت عن سقوط ما يزيد عن 120 قتيل فرنسي ومن
الثوار استشهد ست وخمسون ثائر، بعدا طلب الفرنسيون من هنانو
المفاوضة فقبل بذلك في يوم الجمعة 17 نيسان 1921م تمت المقابلة
في قرية (نحلة) بين هنانو وصحبه مع الجنرال غوبو والجنرال
فوان، الذان عرضا على هنانو إنهاء الثورة مقابل تسليمه سلطة
محلية تضم أقضية حارم وادلب وجسر الشغور لكن المجاهد الكبير
إبراهيم هنانو رفض قائلاً: «إن من موجبات نقمة السوريين على
سياستكم الاستعمارية إقامة هذه الدويلات ، فهل أرضى لنفسي
رئاسة دولة أحاربكم من أجل تمزيق البلاد إلى دويلات مثلها ؟ إن
الفرنسيين دخلوا البلاد السورية رغم رغبة سكانها فلينسحبوا
منها إلى خارجها وليعلن في البلاد عن إجراء انتخابات حرة حتى
إذا ما تمت الانتخابات في جو حر هادئ واجتمع المجلس المنتخب
فان إبراهيم هنانو سيكون في طليعة الذين يرضخون لمقرراته ولو
كانت قبول الانتداب الفرنسي على أن يتعهد الجانب الفرنسي
باحترام هذا القرار مهما كان نوعه»... لم يقبل الجنرال بعرض
هنانو ففشل الاجتماع واتفقا على هدنة مدتها 48 ساعة، وفي 20
نيسان شن الفرنسيون مز الجهة الشرقية والشمالية على جبل
الزاوية بشتى أنواع الأسلحة من طائرات ومدفعية ورشاشات فانسحب
الثوار، ونسفوا الخط الحديدي قرب محطة (أبو الضهور)
الواقعة بين حلب وحماه على يد المجاهد (نجيب عويد) ، وتوقف
تمويل الثوار من الأتراك
الذين بدؤوا يتفاهمون مع الفرنسيين الذين انسحبوا من كيليكيا ،
وقام الأتراك بتكليف عميلها (عاصم بك) بمهاجمة قرية الصقلبية
المسيحية الواقعة قرب حماه ونهب ثرواتها حتى يساء لسمعة الثورة
فتم محاكمته من قبل هنانو بالإعدام الذي
نفذه به نجيب عويد، بعد ذلك تشتت الثوار لثلاث فئات فمنهم من
اتجه إلى شرقي الأردن بقيادة هنانو، وقسم ثاني التجأ
إلى تركيا بقيادة نجيب عويد، أما القسم الثالث من كبار السن
فقد بقوا يجاهدون ضد الفرنسيين.
توجه هنانو لوحده بعد سلسلة من المتاعب في جبل الشعرة وحمص
ودمشق من الوصول إلى جبل الموحدين ومنه إلى عمان، ولكن لم يطل
به المقام حيث قبض عليه في القدس البريطانيين الذين سلموه
للفرنسيين، حيث حكم عليه بالبراءة
بغية تخفيف الغضب الشعبي ضد الفرنسيين.
ثورات المنطقة الشرقية
1919-1924م
في كانون الأول 1918م وصلت طلائع
فرسان القوة العربية إلى دير الزور وعين (مرعي الملاح) كمتصرف
عليها
و(علي العسكري) قائد للقوة العسكرية المرابطة فيها، إلا إن
قوات انكليزية وصلت في كانون الثاني 1919م يرأسها الميجر
(كاروير) واستولت على الحكم بدل ممثلي الحكم الفيصلي ، فاحتج
الأهالي على الإنكليز الذين قدموا رسالة من ممثلي الحكومة
العربية في حلب تبين إن دير الزور تتبع الانتداب الإنكليزي،
وقد فرض الانكليز على دير الزور حكماً عسكرياً دام حوالي
العام، مما جعل الوطنيين فيها يكاتبون حاكم الرقة العسكري
القائم مقام (رمضان شلاش بن عبد الله السليمان بن عبدالله
السليمان)
(وهو من بلدة الشميطية الواقعة على طريق بين حلب ودير الزور)،
مطالبين إياه بتحرير دير الزور والحاقة بالحكم العربي في دمشق،
وبالفعل في 11 كانون الول 1919م قديم رمضان شلاش بن عبد الله
السليمان بن عبدالله السليمان على رأس قوة مؤلفة من 500 فارس
من الجيش العربي ورجال القبائل فقام بمهاجمة القوة الانكليزية
التي استسلمت في12/12/1919م وأخذهم رمضان شلاش بن عبد الله
السليمان بن عبدالله السليمان كأسرى، وأعلن بأنه سيعدمهم في
حال قيام بريطانيا بضرب دير الزور فرضخت للأمر الواقع، واحتلت
القوات الثائرة جميع القرى والمناطق حتى (البوكمال) فاحتج
الانكليز لدى حكومة دمشق التي تظاهرت بالاستنكار وبنفس الوقت
بعثت السيد (مولود مخلص) كحاكم عسكري لدير الزور بدلاً من
شلاش، وما قام به رمضان شلاش بن عبد الله السليمان بن عبدالله
السليمان قلم نشاط الانكليز شرقي سورية .
وقد جاهد وطنيو الجزيرة ضد الفرنسيين في (تل ابيض) و (محطة
كرمناس) وذلك في الشهور الأولى من عام 1920م، أما في دير الزور
فقد قامت عشيرة القعيدات مع بعض العشائر بمهاجمة مطار دير
الزور في 16- 17/9/1921م
وإحراق طائرة مما أدى لتسيير حملة فرنسية انطلقت من حلب أجبرت
شيوخ القبائل على الاستسلام بعد طول قتال، ما عدى قبائل بنو
خابور وبنو بكر من القعيدات اللذين استمروا في مقاومة
الفرنسيين في معارك دارت بين قريتي (خشام والطيبة) بتاريخ 24
تشرين الأول1921م حيث مني الفرنسيون بخمس وثلاثون قتيل بينهم
ضابطين، وكانت المعركة الثانية أمام قرية (البصيرة) بين الفرات
والخابور حيث استبسل الثوار رغم رمي1400كغ من القذائف خلال
خمسة أيام.
وبينما كانت إحدى فصائل الهجانة الفرنسية تقوم بدورية قرب قرية
(الحميدية) على مقربة من الحدود التركية اعترضها عدد من أفراد
قبيلة (شمر) في 7/5/1922م فأوقعوا بها خسائر في الأرواح، وفي
أواخر تموز عام 1923م قام عدد من الوطنيين الأكراد والبدو
المستائين من الاحتلال الفرنسي لمنطقة الجزيرة بمهاجمة حامية
مخفر (بهندور) الفرنسية التي كانت تظم سريتين، فتمكن الثوار من
القضاء على اغلب أفرادها حتى تجاور العدد 60 قتيل مقابل
استشهاد عدد قليل منهم، وفي عام 1924م اشتبكت ثلاث مفارز من
الهجانة مع الأهالي في قرية (غدرية) قرب الميادين بالسلاح
الأبيض استشهد فيها اثنان من العرب، وبنفس العام هاجمت فصيلتان
من سرية الهجانة أولاد سليمان قرب (الرصافة) فقتلت اثنان منهم
أيضاً وتتابعت الثورات الصغيرة ضد الفرنسيين حتى عام 1928م.
ثورات المنطقة الوسطى
أ)-
ثورة تلكلخ: في أوائل شهر كانون الأول عام 1919م اصطدم بعض
أهالي تلكلخ مع رجال الحامية الفرنسية الذين رفعوا العلم
الفرنسي على دار الحكومة باعتبار إن تلكلخ تابعة للمنطقة
الساحلية الواقعة تحت الانتداب الفرنسي، بينما
أصر الأهالي على بقاء العلم العربي وتبعيتهم لحكومة دمشق، فهدد
المحتل بضرب منازلهم بالمدافع، فشكل الأهالي لجنة دفاع وطني
تألفت من (عبد الله الكنج الدندشي - خالد الرستم - حسن إبراهيم
الدندشي - احمد البرازي - سعد الدين الجندلي) وقاموا بالثورة
في 13 كانون الأول 1919م ، حيث جرح قائد الحاميو الكابتن (بتي
ديمانج) وقتل معاونه (بوسكيه) وقد وصلت في 20/12/1919م نجدات
من بيروت وطرابلس للحامية قوامها 200 جندي فقتلوا أربعة من
ضباطها، وفي اليوم التالي سيرت فرنسا حملة تضم ثلاث كتائب
مدعومة بالطائرات وسبعة مدافع وخمسون فارساً لكنها
لم تحقق أي نتيجة على الثوار، وبعد ثلاثة أيام سير الفرنسيون
سرية إلى قرية (بيت حسن) فقتل منهم عشرين جندي فرنسي فعاد
الباقون إلى تلكلخ، ودامت أعمال الجهاد التي قام بها ثوار
تلكلخ حتى عام1920م حين تمت الغلبة للفرنسيين ونزوح المجاهدون
مع عائلاتهم إلى حمص ودمشق.
ب)- ثورة حماة: بدأت
الثورة فيها في أوائل شهر آب من العام 1920م، وكان المجاهدون
فيها يؤمّنون السلاح لثورة الساحل وثورة المنطقة الشمالية
فقامت فرنسا بإعدام مجاهدين هما (الحاج حمدو الجلاغي) و (كامل
الباكير) مما جعل مجاهدي حماه ينخرطون في صفوف ثورة الشيخ صالح
العلي وثورة الموالي، والموالي عشيرة تقطن في شمالي حماه وقد
استاءوا من الفرنسيين، فحدثت ثورتهم في عام 1921م عندما هاجموا
قوة فرنسية مسؤولة عن حماية الخط الحديدي بين حلب وحماه فتم
تخريبه، فوجهت فرنسا حملة من حلب بقيادة (فان) اصطدمت مع
الثوار في تاريخ 6/5/1921م بعدة معارك أهمها (الحمدانية) ثم
وصلت تعزيزات بقيادة (لموال) فاحتلت (خان شيخون) ثم وصلت قوة
جديدة بقيادة (ميشال) فكانت المعركة الكبرى مع الثوار عند قرية
(قطرة) في 19/5/1921م حيث وصل الأمر للاشتباك بالسلاح الأبيض
فسقط كثير من الشهداء كما قتل 19 فرنسي بينهم ضابط.
عينت فرنسا أقسى مستشار إداري لتعينه على حماه وهو الكابتن
(ميك) وفي غمرة الحقد على المستعمر، لمس الكابتن (فوري
القاوقجي ) ذلك وكان يقود إحدى فصائل الخيالة في حامية حماه،
فتحدث مع صديقه الحموي (سعيد الترمانيني) بشأن تشكيل جمعية
سرية هدفها مهاجمة الفرنسيين، فأبدى السيد سعيد تجاوباً للفكرة
بدعوة وجوه حماه إليها، وبعد عدة أشهر وصل عدد الجمعية إلى 200
شخص، بدأت أعمالها الثورية عقب قيام الثورة السورية الكبرى
والتنسيق مع قائدها سلطان باشا الأطرش.
جـ )- ثورة البادية التدمرية:
قامت القبائل في البادية بعدة أعمال ثورية ضد الفرنسيين كان
أهمها:
بتاريخ 14 حزيران 1922م تم مهاجمة مفرزة الهجانة قرب بئر
(بصيرى) وقتل عدد من الفرنسيين، وفي 15 تشرين الثاني تم مهاجمة
الهجانة في (السخنة) أسر فيها عدد من الثوار، وقامت سيارتان
فرنسيتان مزودتان برشاشات في عام 1923م قافلة تجارية للبدو
سببت استشهاد أربعة منهم ، كما قامت فرنسا في عام 1924م
بمهاجمة إحدى القبائل فقتلت منهم حوالي عشرين من أبنائها ونهبت
أربعة آلاف رأس من الماشية، أمام هذه الأعمال في 1925م هاجم
الوطنيون قافلة ذخائر فرنسية على طريق دمشق - بغداد فقتلوا
الكابتن (دسكار بانتري) الذي قام بأعمال السلب والنهب في
البادية.
ثورات المنطقة الجنوبية
الغربية
بدأت في منطقة (الشوف) في لبنان
إذ قام بعض الثوار بهاجمة السيد (جورج بيكو) والأميرال (مورني)
عند مرورهم في قرية بعقلين في آب 1919م نتج عن إصابة مورني،
وهذا دليل على رفض جبل لبنان للحكم الفرنسي، فنكلت فرنسا بكل
القرى التي شكوا بتدخلها بالحادثة، مما سبب في استشهاد 40
أغلبهم من النساء والأطفال، مما جعل الشيوخ والنساء يلجئون إلى
دمشق بينما تابع كل من يحمل السلاح على مقومة الفرنسيين، الذين
سيروا حملة في تشرين الأول إلى قرية الخصاص التي يملكها الأمير
(محمود الفاعور) فسادت المقومة في إقليم الجولان ونواحي
مرجعيون، فأرسلت فرنسا
قوات جديدة بقيادة الجنرال (دي لاموت) لإنهاء الثورة فضربت
قرية (الخالصة) وقرية (كفر كلا) وقرى أخرى بالمدفعية
وسرقوا المواشي والأثاث وخصوصاً في قرية (الطيبة) التي يملكها
(آل الأسعد) واستمرت المعارك لنهاية عام 1919م واهم المعارك
(عمرة الأمير محمود) حيث انتصر الثوار وقتل70من الفرنسيين
وغنموا مدفعين وعشرين رشاش وانتهت بوقوع عدد من الأسرى سلموا
لحكومة دمشق العربية التي أعادتهم للسلطة الفرنسية في بيروت.
وفي أيار1920م عادت الثورة في (جبل عامل) بسبب فصله عن سورية
وإلحاقه بلبنان، وقد قاد هذه الثورة الشهيدان (صادق حمزة) و
(وأدهم خنجر)
وعدد من الضباط، فسيّر الفرنسيين حملتين للقضاء على ثورة جبل
عامل الأولى بقيادة (أرلابوس) انطلقت من النبطية، والثانية
بقيادة الكولونيل (نيجر) انطلقت من صور، وقد قامت هاتان
الحملتان مابين 19 أيار و2 حزيران 1920م فضائع في قرى (النبطية
- كفر سير - الباصورية - كفر دونين - دير عنتر - مجدل سليم -
دونين - بنت جبيل) فالتجأ الثوار إلى سهل (الحولة) عندها احتل
الفرنسيون قرية الخالصة بعد مقاومة رائعة.
وبعد دخول الفرنسيين إلى دمشق في 25 تموز 1920م، ازداد حقد
الأهالي عليهم فحاول 14 مجاهداً انطلقوا من الأردن اغتيال
الجنرال (هنري غورو) يوم 23 حزيران 1921م إثناء زيارة تفتيشية
للقنيطرة، انتهت بقتل ضابط ومترجم
وإصابة حاكم دمشق ونجاة الجنرال غورو، فسيّر المحتل حملة
بقيادة الكولونيل (ريو كرو) ارتكبت الكثير من الجرائم وخاصة في
(جباتا الخشب وطرنجة وجباتا الزيت وتل الشيخة) ثم هدأت الثورة
لتعود عام 1925م مع قيام الثورة
السورية الكبرى.
معركة ميسلون ونضال الثوار في
دمشق قبل الثورة

حدثت في يوم السبت 24 تموز 1920م
من الفجر حتى الظهر، وذلك في مرتفعات (عقبة الطين) قرب ميسلون،
وقد هدف الوطنيون والثوار من هذه المعركة الغير متكافئة إقناع
فرنسا والعالم إن سورية مستقلة ولها جيش ولا يمكن احتلالها إلا
بالمرور فوق جثث أبطال هذا الجيش والثوار الميامين، أما فرنسا
فقد أرادت من هذه المعركة القضاء على الجيش العربي الفتي
واحتلال سورية، وقد بلغ عدد الجنود والثوار حوالي 3000 مقابل
9000 جندي فرنسي.
بدأت المعركة حين قامت بطاريات المدفعية الفرنسية بقصف الخطوط
والاستحكامات السورية، فردت المدفعية السورية عليها واسقطوا
إحدى الطائرات المعادية، وفي الساعة التاسعة بدأت الدبابات
الفرنسية بالهجوم، وكانت المدفعية السورية تطلق ذخيرتها حتى
نفذت وتم تدمير بعضا من قبل طائرات العدو، وعندما دخلت القوات
المعادية وادي (الزرزور) تراجعت القوات الوطنية، ما عدى فئة
قليلة بقيت تقاوم بقيادة المجاهد البطل (يوسف العظمة)
حتى استشهد بوابل رصاص من رشاش فرنسي، فتابع القتال البكباشي
(شريف الحجار) الذي أقام خط دفاعي ثاني عن دمشق قرب (قدسيا)
لكنه ما لبث أن تراجع لقلة عدد جنوده أمام جحافل الفرنسيين.
لقد خسر الفرنسيون في ميسلون 42 قتيلاً و152 جريحاً و14
مفقوداً، بينما خسر السوريون حوالي 400 شهيد وتم
تدمير أسلحتهم، وقد فتحت هذه المعركة أبواب دمشق أمام
الفرنسيين وأنهت عهد أول حكومة عربية مستقلة، كما أقنعت
السوريين بضرورة الكفاح المسلح لطرد المستعمر الفرنسي عن ثرى
الوطن الغالي.
كفاح الشعب العربي السوري - الرائد
إحسان هندي - ص 41 - 46
وفي نيسان عام 1922م يزور
(كراين) دمشق فيقابل ويودع بالمظاهرات المنادية بالاسقلال
وسقوط الاستعمار والانتداب فتبادر فرنسا إلى نفي الزعماء
وتشريدهم وغي طليعة هؤلاء (الدكتور عبد الرحمن الشهبندر - وحسن
الحكيم و سعيد
حيدر وعبد الوهاب العفيفي ومنير شيخ الأرض وخالد الخطيب وتوفيق
الحلبي) الذين نفوا إلى جزيرة ارواد وظلوا فيها حتى 23 تشرين
الأول عام 1923م وفي العام نفسه 1922م وقعت حادثة أدهم خنجر.
الثورة السورية الكبرى - سلامة عبيد
- ص 100
نضال الثوار في جبل العرب قبل
الثورة السورية الكبرى
حصار السويداء الأول ومعركة تل الحديد
أصلحه:
ثم استؤنفت المقاومة إثر حادثة اعتقال المجاهد (أدهم خنجر)
المتهم بإطلاق النار على الجنرال غورو بالقرب من القنيطرة،
الذي كان قد فر إلى الأزرق في الأردن ومنها إلى جبل العرب، وما
كاد أدهم خنجر ورفيقه (محمد الزغير) من عرمان يدخلان بلدة
القريا حتى اعتقلهم الفرنسيون في 17تموز1922م وسيقا إلى سجن
السويداء.
علم سلطان باشا الأطرش المتواجد في (أم الرمان) لدى صديقه حمد
البربور بأن أدهم التجأ إلى بيته وتم القبض عليه، فأسرع إلى
بلدته، وعلى الفور قام بإرسال أخيه (علي) إلى السويداء لمقابلة
المستشار الفرنسي (ترانكا) حيث بين له إن
هذا العمل خرق للعادات ومخالفة للاتفاقيات المعقودة مع فرنسا
وإهانة لم يجرؤ أحد منذ قرون على توجيهها للموحدين، فرأى
المستشار ترانكا في ذلك تهويلاً وكان رده يتضمن كل معاني
التحدي حيث قال: (إن الرجل في القلعة ليأت أخوك ويأخذه لقد صار
في حوزة الجند الفرنسي، عندكم المحافظة على الضيف وعندي
المحافظة على الجاني).
وفي اليوم الثاني وصلته رسالة من المجاهد أدهم يعلمه فيها بما
حصل، كان ادهم خنجر بالنسبة لأحرار السويداء من المجاهدين
الذين يقومون بواجبهم الوطني ولا يمكن تصنيفه بشكل من الأشكال
من زمرة المجرمين الذين ينالون عقابهم بالطريقة التي يريدها
الفرنسيون.
في أعقاب انسداد طريق الحل السلمي اتجه الثوار نحو السويداء،
واتفقوا أن يجتمعوا في قرية (رساس) غرب المدينة وسرعان ما
توافدت إلى رساس بيارق قرى المقرن الجنوبي يسير تحتها حوالي
ألفي فارس بالإضافة إلى فرسان عشيرة (السردية) بقيادة (خلف
الكليب) ووضع سلطان باشا الأطرش مع رفاقه خطة تقضي بمحاصرة
السويداء ومنع الدخول إليها والخروج منها إلا بالحالات التي
تستوجب التساهل لمصالح الناس.
كان بيت (نجم عز الدين) مقرا للقيادة، وكلف (مصطفى الأطرش)
وخيالته بمراقبة طريق السويداء – الثعلة، وفي 21 تموز عام
1922م، سمع الحشد طلقات البنادق والرشاشات، فأسرع سلطان الأطرش
ورفاقه إلى مكان الحادث قرب
أصلحة بين
الثعلة والسويداء حيث وجدوا المعركة دائرة بين مصطفى الأطرش
وخيالته مع ثلاث مصفحات قدمت من
درعا لنقل ادهم خنجر إلى دمشق، فاستولوا على مصفحتين بعد وصول
سلطان الأطرش ورفاقه بقليل وهربت الثالثة
عائدة إلى درعا، وقد قتل ثلاث جنود فرنسيين وضابط يدعى
(بوكسان) واسر أربعة جنود ولم يقتل احد من الثوار، فبعث
الفرنسيين حملة بقيادة الكولونيل (هوغ) من حامية درعا لتأديب
سلطان وجماعته، ووفي هذه الإثناء وصل وفد كبير يضم أغلبية
أعضاء البرلمان بينهم (نسيب الأطرش) والأمير (سليم الأطرش)
حاكم الجبل المدني، وبعد نقاش حاد كاد يتطور إلى صدام عنيف
اتفق الجانبان على ما يلي:
أن يُفك الحصار عن السويداء وتعود القوات إلى قراها وتسليم
الأسرى الأربعة من جنود الفرنسيين على أن يتعهد الوفد بتسليم
ادهم خنجر لسلطان الأطرش ورده سالما في اقرب وقت، لكن
الفرنسيين لم يوافقوا فأمر الجنرال غورو أن يجري تأديب
الموحدين بكل قسوة بعد أن لجأ سلطان وعدد من رفاقه إلى الأردن
لطلب المساعدة من الأمير (عبد الله بن الحسين) ضد الفرنسيين،
فضربت الطائرات قرية سلطان وهدمت بيته، ومن ثم راحت تضرب كل
قرية يمر بها سلطان أو يشتبه
انه مرّ بها بعد أن التقطت للقرى صوراً من الجو ،
فقتل عدد كبير من الأطفال والنساء وتم مصادرة الأرزاق وأحرقت
البيادر وهدمت المطاحن وفرضت الغرامات على القرى بمعدل ثلاث
ليرات ذهبية على الذكر الراشد حتى بلغت في آب 613 ليرة عثمانية
ذهباً، وهاجم بعض رجال الدين سلطان ورجاله على عكس موقفهم قبيل
الثورة السورية الكبرى وألقوا عليهم الحرم، واستنزلوا عليهم
غضب الرب الشديد الذي لا تحمله الجبال الراسيات، ووزعوا
المناشير في كل البلاد مقبحين على سلطان، مظهرين تأييدهم الكلي
للسلطة الفرنسية المنتدبة، على الرغم من إن الدولة المنتدبة
أظهرت الكثير
من الاستخفاف برجال الدين وبموظفي الحكومة المحلية، وقد
استنكرت فرنسا جهاد سلطان فنعتته ورجاله بالأشقياء والعصاة
والمجرمين وطاردتهم مدة عشرة أشهر، ثم صدر عفو خاص عن سلطان
ورفاقه في 5 نيسان من عام 1923م الذي كان موجود حينها بالأردن،
لكنها هددت بمائة ليرة فرنسية تفرض على كل من يأتي على ذكر
فرنسا بسوء والسجن لمدة ثلاث سنوات والحرمان من الحقوق
المدنية. سلامة عبيد - الثورة
السورية الكبرى - ص 92حتى 97
معركة سمج:
كان سلطان باشا الأطرش يملك مزرعة في قرية (سمج) الواقعة في
محافظة درعا، والقريبة من الحدود الأردنية السورية حيث كان
يربي المواشي فيها، وبعد حادثة أدهم خنجر بشهرين ولجوء الثوار
إلى الأردن، تزايدت الهجمات على المحتل فوجد الفرنسيين أنه
لابد من مفاوضة الثوار وكانوا يهدفون من خلال رسائلهم جر قائد
الثورة
ورفاقه إلى كمين مميت ينهون فيه أي مظهر من مظاهر المقاومة
المسلحة ضد وجودهم في الجبل، لكن الثوار اكتشفوا الخدعة، فكانت
معركة سمج

يروي تفاصيل المعركة قائد الثورة أثناء زيارته لبلدة (قنوات)
في نهاية السبعينيات، أنه «في يوم 22/9/1922م حضر إلى الأردن
(عامر أبو عامر) يحمل رسالة موقعة من (يوسف الشويري وخليل صيدح
وفارس حسان وهو وكيل سلطان الأطرش في قرية سمج) يذكرون فيها أن
الفرنسيين يرغبون في مصالحتنا دون قيد أو شرط ، ويطلبون منا أن
نعين لهم مكاناً للاجتماع بهم والتداول في الأمور، ثم قدم لي
الرسول كتاباً موقعاً من قائد حامية بصرى جاء فيه: إن السلطة
الفرنسية تكن لكم احتراماً عظيماً وهي مستعدة للتفاوض معكم من
أجل إعادتكم إلى بلدكم سالمين مكرمين ونقسم على ذلك بشرف فرنسا، مع تأكيد (المرسال) على نية فرنسا الطيبة
اتجاهنا.
توجهنا إلى خربة (القلو) وهي قرب الحدود السورية وتابعة
للأردن، وكنا ستة عشر فارساً، وقبل وصولنا بقليل جاءنا
خبر أن السرحان قد أغاروا على غنم آل البربور واستولوا عليها
في غزوة خاطفة مما اضطر (حمد البربور) وستة من الفرسان إلى
العودة لاسترداد الغنم، وتابع الطريق معي كل من (شكيب وهاب
وسلمان طربيه ومحمد البربور وولده
جاد الله، وغازي العبد الله وفارس فرج وفارس الدبس وأخي علي).
قابلنا الوفد المذكور دون علم من الفرنسيين وتفاهمنا على
المهمة الموكلة إليهم، وقررت المبيت في الخربة رغم تأكيدات
(فارس أبو حسان) عن صدق نوايا الفرنسيين، قضينا تلك الليلة
بضيافة (عواد السرور) شيخ عشيرة المساعيد ومكثنا ننتظر الخبر
حتى الضحى دون أن يحضر أحد منهم، كلفنا (سلمان طربيه وغازي
العبد الله) بالذهاب على أثرهم والعودة بالخبر اليقين، وما
لبثا أن عادا على ظهري جواديهما، وأفادا بأن سمج مطوقة بالجنود
الفرنسيين وليس بالإمكان الاقتراب منها لكثرتهم، عندها انجلى
الموقف وظهر غدر الفرنسيين ما حفز الثوار على التصميم رغم قلة
عددهم بالمخاطرة لمعرفة مصير الوفد المفاوض وإنقاذ المواشي
الموجودة في دارنا بقرية سمج، تحركنا ولما وصلنا الوادي الذي
يمر منه طريق سمج- بصرى كمنا في مكان يدعى (دير الخريبة)
وتوارينا خلف الجدران المنيعة، ولم يطل بنا المقام حتى ظهرت
القوات الفرنسية وهي تسوق أبقارنا وعدداً من البغال المحملة
بالمؤن والعتاد الحربي، كان الوقت قرب المغيب، وعند اقترابهم
صببنا نيران بنادقنا عليهم فاختل نظامهم وتفرقوا مذعورين من
هول المفاجأة، هربت الأبقار وشردت البغال ورحنا نطاردهم على
ظهور الخيل كي نظفر بهم غير أن فريقاً منهم تمركز في مكان حصين
وأخذ يطلق النار من رشاش كبير (هوشكيس) ما شجع الآخرين على
استئناف القتال بجرأة وشجاعة، ولكننا تصايحنا عليهم صيحات
مرعبة وفرقنا
صفوفهم مرة ثانية وأنقض بعضنا على رماة الرشاش وتم إسكاته،
وتتبع الآخرون ملاحقة فلولهم، واسترجعنا البقر
وكسبنا اثني عشر بغلاً، ومررنا بسمج وأخرجنا منها المواشي
الباقية، وعرفنا فيما بعد أن الفرنسيين عمدوا إلى تعذيب (يوسف
الشويري وخليل صيدح وفارس أبو حسان)، وكانت معركة غاية في
البطولة والمخاطرة! تسعة رجال يهاجمون ما يزيد على مئة جندي مجهزون بالأساس للقبض على قادة الثورة
ولديهم كل مقومات المعركة من أسلحة وعربات ورشاشات، أما
خسائرنا فكانت فرس لـ (شكيب وهاب) عوضت بالغنائم الكثيرة، وترك
الفرنسيون ثلاثين قتيلا في أرض المعركة».
النضال في حوران قبل الثورة
هاجم الحوارنة في خربة غزالة رئيس
الوزراء (علاء الدين الدروبي) الذي نصبته فرنسا بعد إخراج
فيصل، فقتلوه مع بعض معاونيه ففرضت عليهم فرنسا غرامات باهظة
جداً واعدم ثلاثة منهم بعد أن تعرضت خربة غزالة لحملة تأديبية
أحرقت ودمرت ونهبت نتيجتها. الثورة
السورية الكبرى - سلامة عبيد - ص 99
وهكذا نجد إن سورية كلها كانت
تغلي ضد المستعمر فقدرت الثورات قبل الثورة السورية الكبرى
بخمس وثلاثين ثورة
محلية متفرقة الأمكنة، غايتها واحدة هي إقلاق المستعمر الفرنسي
والمطالبة بالحرية والاستقلال، إلا إن هذه الثورات لم تكن
موحدة القيادة فضلت ضعيفة إذ لا حزب ينظمها ويشرف عليها ولا
منظمة ترعاها، مما جعل زعماء سورية يشعرون بضرورة قيام حزب
منظم فنشأ حزب الشعب بزعامة الدكتور عبد الرحمن الشهبندر الذي
بدأ الاتصال بالمناطق السورية ومن بينها جبل الموحدين، أما حزب
الاستقلال ومن زعمائه (شكري القوتلي
وعادل ارسلان وفؤاد سليم وعادل نكد
)
فقد كان عملهم سرياً فردياً بسبب تشتتهم في الأردن ومصر
وفلسطين.
 |