أسباب الثورة السورية الكبرى

 إيمان الثوار السوريين العميق بمقولة «الجنة تحت ظلال السيوف» كان كفيل بقيام ثورات متعددة ضد المحتل أشهرها ثورة الشيخ صالح العلي عام 1919-1920م في جبال اللاذقية، وثورة حوران 1920م عقب معركة ميسلون، وثورة إبراهيم هنانو في الشمال وثورة سلطان باشا الأطرش الأولى عام 1922م التي توجت بقيام الثورة السورية الكبرى على امتداد سورية ولبنان عام 1925م والتي كان من أهم أسبابها:

    الأسباب البعيدة:

        1- اعتقال أدهم خنجر من بيت سلطان باشا الأطرش لما في ذلك مخالفة للعادات والتقاليد العربية الأصيلة
( أقرأ قصة المجاهد ادهم خنجر في صفحة أحرار في الجبل - مجاهدون التجئوا إلى سلطان ).
      2- الرفض القاطع لفكرة الانتداب، وتطبيق فرنسا لصك الانتداب بشكل جائر:
يذكر المؤرخ سلامة عبيد في كتابه الثورة السورية الكبرى، الصفحة 11 نص ميثاق عصبة الأمم، المادة 22 البند 4 18يونيو1919م، جاء فيه «إن بعض الجماعات التي كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية قد بلغت درجة من التقدم (مع التحفظ) حتى يمكن الاعتراف مبدئياً بكيانها كأمم مستقلة بشرط أن توجه إليها الإرشادات والمساعدة من قبل منتدب على إدارة شؤونها إلى الحين الذي تصبح فيه قادرة على السير بمفردها وان رغبات هذه الجماعات يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في اختيار المنتدب».
فالانتداب مهمة دولية مؤقتة منزهة تتنافى مع كل فكرة للسيطرة والاحتلال ويقتصر مهام الدولة المنتدبة على الإرشاد والمساعدة تحت إشراف عصبة الأمم، جوهرها الحقيقي رفاهية الشعوب ورقيها، ولكن حقيقة الانتداب كان عكس ذلك فهي وسيلة استعمارية مرنة جداً تقوم باستغلال ثروات ومقدرات وأراضي الدولة المنتدب عليها مع احتفاظ  الشعب بحقه الشرعي في أرضه، فتوالت المظاهرات والاحتجاجات المدن السورية لأن نظام الانتداب يعتبر سورية غير قادرة على الحكم الذاتي في حين تم الاعتراف باستقلال الحجاز وأرمينيا وألبانيا، ونظام الانتداب فيه مخالفة لمبادئ ولسن الأربعة عشر وخصوصاً مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، واعتبرت سورية كغنائم حرب.
ومن خلال نظام الامتيازات التي أعطتها الدولة العثمانية زمن (سليمان القانوني) لفرنسا في عهد (فرانسوا الأول) عام 1935م أصبح لفرنسا نفوذ ثقافي وديني ثم تجاري وسياسي في لبنان برز بشكل جلي في أحداث لبنان عام 1860م، وأصبح لها بين بعض الفئات التي رأت في فرنسا صاحبة ثورة الحرية والمساواة إنها ستحمي حريتهم، بينما الأغلبية الساحقة كانت تكره الفرنسيين وترفضهم كدولة منتدبة لثقافتهم العلمية بماضي فرنسا فهي التي أججت الحروب الصليبية على المشرق العربي والتي كانت بداية توسعها الاستعماري، لقد صرح (بول دومر Doumer) أحد الرؤساء السابقين لمجلس النواب الفرنسي «إن الحروب الصليبية هي بدء ذلك العمل العظيم في التوسع الفرنسي» وكذلك فإن فرنسا هي من وقفت في وجه انتشار الإسلام في أوروبا وكانت الضربة القوية للإسلام في معركة بلاط الشهداء على أبواب مدينة بواتيه الفرنسية بقيادة شارل مارتل، وقد استشهد عدد كبير من المسلمين على رأسهم قائد المسلمين عبد الرحمن الغافقي.
وبسبب تعصب الدولة العثمانية وإتباعها سياسة التتريك، وما حملته الثورة الفرنسية من أفكار الحرية والمساواة على الرغم من إنها لم تغير سياسة فرنسا الاستعمارية اتجاه المشرق العربي، وبسبب الأطماع التاريخية لفرنسا في سورية الطبيعية، فقد قرر مؤتمر الصلح انتداب فرنسا على سورية ولبنان وذلك تنفيذاً لاتفاقية سايكس بيكو،وبنفس الوقت نزلت في الساحل السوري فتصدى لهم المجاهد الشيخ صالح العلي في جبال العلويين، لأن السوريين أدركوا إن نظام الانتداب يوازي الاحتلال، يقول احد الشعراء عن هذا النظام:  
هو الرق الذي لا ريب فيه              أرادوه فسموه انتدابا

      3- رفض التجزئة: وذلك عندما حاولت فرنسا التفريق بين المسيحيين والمسلمين، لكن المسيحيين وقفوا إلى جانب المسلمين والموحدين ضد الفرنسيين، ورفضت كل الطوائف التدخل الفرنسي في شؤونهم الدينية، وفي إثناء الاحتلال الفرنسي تم تقسيم سورية على أساس طائفي لأربع دول كما هو موضح في الخريطة التالية:


1- علم دولة لبنان الكبير عام 1920م


 

2- علم دولة دمشق عام 1920م


 

3- علم دولة حلب عام 1920م


 

4- علم دولة العلويين عام 1920م


 

5- علم دولة جبل الموحدين عام 1921م


 

6- دولة البدو المرتبطة مباشرة بالمفوضية.

7- لواء الاسكندرون المستقل 1921م تمهيداً لضمه إلى تركية.

هذا التقسيم بررته فرنسا بإدعائها انه كان موجوداً قبل أن تأتي جيوشها، وهذا التقسيم يمثل رغبة الشعوب السورية، كما يمهد للاستقلال تحت رعاية فرنسا وتحت راية حكام وطنيين دمشقيين وحلبيين، لا  بدو قادمون من الحجاز، ولأن كل مذهب في سورية يمثل وطناً، إلا إن السبب الحقيقي من هذا التقسيم تطبيق مبدأ فرق تسد ولخنق الحركة العربية الوحدوية وتعزيز الطائفية والإقليمية كخلق الأمة المارونية والأمة الدرزية والأمة العلوية، كما أن هذا التقسيم جاء تلبية لبعض العملاء ونتيجة للرشاوى، وهذا التقسيم أعيد النظر به عامي 1923 - 1924م فأنشئ اتحاد ثلاثي بين دول حلب ودمشق وجبال العلويين، لكن الجنرال (ويغان) ألغى هذا الاتحاد قبل استدعائه لفرنسا، وقام بدمج دولتي دمشق وحلب باسم الدولة السورية، والإبقاء على دولتي جبال العلويين وجبل الموحدين، رحب أنصار دولة لبنان الكبير بهذا التقسيم وزاد تعلقهم بفرنسا للحفاظ على دولتهم التي لم يكونوا يحلمون بها لولا سياسة المستعمر، بينما الغالبية من الوطنيين الأحرار في سورية ولبنان رفضوا التجزئة بشكل سلمي عبر الصحف والخطب والعرائض والوفود، ففي صيف عام 1924م وجهت فرنسا حملة إرهابية على قرى الجبل المتواجد فيها آل الحلبي وذلك لأن (سعيد عز الدين الحلبي) قد أظهر تبرمه من أحوال الجبل وطالب بإلحاقه بدولة سورية وقد أرغم أهالي قرية (الثعلة) على الخروج لاستقبال الحملة على مسافة كيلومترين من البلدة، وقد ظل الأهالي مع أطفالهم ينتظرون ثلاث ساعات تحت أشعة الشمس المحرقة وهم عطشى
وبسبب غياب خيالة البلدة عنها مع سلطان، فقد فرضت غرامة عن كل متغيب تبلغ ليرة ذهبية، فجمع (كارابيه) عشرين ليرة،
الثورة السورية الكبرى - سلامة عبيد - ص 113 كما اتبع الوطنيون أسلوب الكفاح المسلح تعبيراً عن رفض التجزئة توجت بقيام الثورة السورية الكبرى على امتداد الوطن، حيث رفع سلطان باشا الأطرش شعار الثورة الشهير: «الدين لله والوطن للجميع» وكان هذا الشعار صفعة في وجه هذا التقسيم الطائفي لسورية، فحول نظام الانتداب لسلة من الأشواك يثقل كاهل فرنسا، ونتيجة للضغط الوطني تم توقيع المعاهدة الفرنسية السورية في عام 1936م، ولم يعد جبل الدروز كيان مستقل وتم ضمه إلى سورية.
       4-  قيام ثورة عبد الكريم الخطابي في المغرب الأقصى ضد الفرنسيين، وإدراكهم لمقولة فيصل «الاستقلال يؤخذ ولا يعطى»، وتحفيز تصريحات الأمير عبد الله بن الحسين بأنه ما جاء إلى شرق الأردن إلا منقذاً لسورية وما حولها، وبأن «العاصمة الأموية إن رضيت بأن تكون مستعمرة فرنسية فالجزيرة لا ترضى وستأتيكم غضبى...» فلذلك نسق عبد الله مع الثوار في جبل العرب وحوران ضد الفرنسيين، كما أبدت هاتين المنطقتين عن رغبتهم بالانضمام لحكومة شرق الأردن الناشئة،حيث اتصل بعض زعماء الجبل بالاتفاق مع سلطان باشا بالأمير عبد الله ووعدوه بأنهم سيساندونه إذا دخل سورية فاتحاً، فبذل الأمير الذهب وفتح باب التجنيد مخصصاً للدروز رتبة أمير لواء، لكن الأمل لم يتحقق وتحول إلى مجرد تعديل حدود بحيث يتم ضم جبل العرب وحوران إلى الإمارة الأردنية الناشئة حتى الكسوة لتكون حداً فاصلاً مع الاحتلال الفرنسي، ولتتحول شرقي الأردن مع مصر ملجأً للثوار الهاربين من بطش الفرنسيين.
       5- نزعة السكان للاستقلال والحرية وشعورهم بالاستبداد العسكري، واعتزازهم بماضيهم وتراثهم الحضاري المجيد.
   6- توقف التجارة الداخلية بسبب التجزئة، وتوقف التبادل التجاري الخارجي مع تركية والأقطار العربية بسبب إغلاق الحدود ووضع الحواجز الجمركية، مما انعكس سوءاً على حالة الزراعة والصناعة، بالإضافة لفرض النقد الفرنسي المعدني والورقي محل الليرة الذهبية العثمانية والمصرية مما ألحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد السوري مادياً ومعنويا،ً لأن تهديد الاقتصاد فيه تهديد للاستقلال المرتقب، كما أن الديون المترتبة على الدولة العثمانية التي خرجت من الحرب العالمية الأولى مهزومة وزعت على الولايات التي كانت تتبع لها فكان نصيب سورية التي وقعت تحت الانتداب الفرنسي مبلغ 11مليون ليرة تركية تقريباً أي ما يعادل 260مليون فرنك.
سلامي عبيد - الثورة السورية الكبرى - ص 54.
7- ازدياد عدد المهاجرين الغرباء وخاصة من أبناء الطائفة الأرمينية وهذا أثر على الناحيتين السياسية والاقتصادية.
كفاح الشعب العربي السوري - الرائد إحسان هندي - ص 138

    الأسباب المباشرة:

     1)- سوء معاملة حاكم الجبل الكابتن كاربيه للسكان، وتدخله في شؤونهم الدينية، وأضطهاد الزعماء التقليديين، وتشجيعه لحركة التجسس التي أدت لنفور الأهالي منه، وسخر الأهالي بالقوة للعمل في مشاريع تخدم آلة الحرب الفرنسية كشق الطرق التي بلغت مسافة 600/كم ، فكانوا يشعرون بالإذلال والسيطرة، فضلاً عن السجن والتعذيب داخل السجون، والنفي خارج الجبل كما حدث لـ (عقلة بيك القطامي) وهو زعيم مسيحيي الجبل ومن أكثر المقربين من سلطان عندما استأنف الحديث عن اتفاقية آذار أمام المندوب السامي (سراي) فنفاه إلى تدمر. سلامة عبيد ص 108
وكنموذج لإعمال كاربيه المهينة نذكر انه فرض غرامة كبيرة على إحدى القرى لان شخصاً منها لم يحضر لاستقباله لما زار هذه القرية، وفرض غرامة أخرى على أهالي السويداء بسبب ضياع قطة أحد ضباط الحامية .
كفاح الشعب العربي السوري - الرائد إحسان هندي - ص 113
  2)- تعيين موظفين فرنسيين برواتب ضخمة في سورية تجاوزوا صلاحياتهم للشؤون العسكرية والإدارية والاستشارية والمخابراتية، وقيام بعضهم بفرض تقاليد التعظيم لهم وكأنه سلطان عثماني، في وسط حكم عرفي ومراقبة شديدة، تقول الكاتبة (دي سانبوان): «إن الأشخاص المشبوهين الذين تريد أن تتخلص فرنسا منهم، كانوا ينقلون إلى سورية».
 
سلامي عبيد - الثورة السورية الكبرى - ص 38.
      3)- انتشار الرشوة والمحسوبية والسخرة والعنف، وكم الصحافة الحرة، وفرض الضرائب والغرامات المالية الكبيرة    بالليرات الذهبية على السكان.
      4)- محاولة إفساد أخلاق الشبان السوريين، بإقامة ما يسمى آنذاك (الأكواخ الصحية) حيث ضمت دمشق وحدها حوالي 400-500عاهر ومثلها في حلب، دون مراعاة فيما إذا كانت هذه البيوت قريبة من مكان مقدس أم لا وهذا أمر رفضه السوريون.
سلامي عبيد -  الثورة السورية الكبرى - ص 44.
    5)- طرد المندوب السامي الفرنسي (سراي) لوفد الجبل عام 1925م وعدم سماعه لهم عندما ذهبوا إليه في دمشق بناءاً على طلبه إثناء زيارة السويداء في نيسان من نفس العام وذلك للشكوى على الكابتن كارابيه، وليذكروه باتفاقية آذار فأجابهم : أن تلك الاتفاقية هي حبر على ورق ولا قيمة لها، ثم طلب من الوفد مغادرة دمشق حالاً.
وعندما ذهب الكابتن كارابيه في إجازة إلى باريس أيار 1925م عين الجنرال (رينو) حاكماً بالوكالة، وقد أتبع سياسة اللين والتقرب من الموحدين ليأنسوا له ويطالبوا بتثبيته حاكماً عليهم بدل كارابيه، وشجع رينو سكان الجبل على تشكيل وفد من أجل هذه الغاية إلى بيروت لمقابلة سراي وقد بلغ عدده ثمان وثلاثون شخصاً، لم يشجع سلطان فكرة مقابلة سراي من جديد وحذرهم منه فخاطبهم قائلاً: «إذا ذهبتوا ما بترجعوا ونحن غير مسؤولين عما يحدث لكم إذا عملنا شيء في غيابكم» وصل الوفد إلى بيروت ونزلوا في فندق الخديوية الكبرى، حيث استقبلهم اثنان مكن أعيان بيروت وهما الأمير أمين أرسلان والأمير فؤاد أرسلان، ذهب اثنان من أعضاء الوفد وهم صياح الأطرش وفواز عز الدين الحلبي لأخذ موعد من المفوض السامي لمقابلة الوفد، فخرج المندوب غاضباً وقال لفواز الذي يتقن الفرنسية : «قولا لزملائكما أي الوفد الدرزي، إني أخطرهم بوجوب سرعة مغادرتهم بيروت والعودة إلى بلادهم وعند حضور كارابيه يمكنهم أن يشكوه وجاهياً لأنني لا أقبل الشكوى أبداً على متغيب» وقد أعاد تهديده بالنفي إلى تدمر حيث عقلة القطامي، فعاد الوفد يجر ذيول الخيبة، دون أن يحقق آماله.
ولم يكتف ساراي بهذا بل بعث يوم 11تموز 1925م برسالة سرية إلى مندوبه في دمشق يطلب منه أن يستدعي بعضاً من زعماء الجبل بحجة التباحث معهم بشأن مطالبهم ليقوم بالقبض عليهم وإرسالهم منفيين إلى تدمر والحسكة، وقد نفذ المندوب هذه الخدعة الدنيئة فعلاً بزعماء الموحدين إلا سلطان الذي تنبه ونبه لما يراد بهم فرفض المجيء إلى دمشق، ومن الثوار الذين قبض عليهم: (عقلة القطامي - الأمير حمد الأطرش - عبد الغفار الأطرش - نسيب الأطرش) حيث نفوا إلى تدمر، و(برجس الحمود - حسني عباس صخر قائد الدرك الوطني في حكومة الجبل - علي الأطرش - يوسف الأطرش - علي عبيد ) نفوا إلى الحسكة.
كفاح الشعب العربي السوري - الرائد إحسان هندي ص 114


 نشرت جريدة الفيحاء الدمشقية مقالاً لحنا أبي راشد جاء فيه:
 وجدت نفسي حزينة حتى الموت ....
 والقوم على اختلاف مراتبهم سجناء ....
 سجناء بأفكارهم .... سجناء بحرية كلامهم .... سجناء بشكاويهم .... سجناء في عقر دارهم ...
  سجناء في مقابلة أقاربهم وأبناء عمهم، لا بل عن أولادهم وعيالهم ....


      6)- زيارة اللورد بلفور لسورية ومنها دمشق في أواسط آذار من العام 1925م، حيث اتفقت جرائد دمشق على الصدور يوم وصول بلفور إلى فلسطين والصفحة الأولى في كل جريدة بيضاء محاطة بإطار أسود مع بعض كلمات الاحتجاج على هذه الزيارة.
      7)- وصول السلاح للسوريين من شرقي الأردن وفلسطين في السنة الأولى من الثورة وسط تغاضي انكلترا.